أصبحت كفك منه عند الموت خالية صفراً، وبدلت بعد غناك وعزك ذلاً وفقراً، فكيف أصبحت يا رهين أوزاره، ويا من سلب من أهله ودياره؟

ما كان أخفى عليك سبيل الرشاد، وأقل اهتمامك لحمل الزاد إلى سفرك البعيد، وموقفك الصعب الشديد، أو ما علمت يا مغرور أن لا بدَّ من الارتحال إلى يوم شديد الأهوال، وليس ينفعك ثمَّ قيل ولا قال، بل يعد عليك بين يدي الملك الديان ما بطشت اليدان ومشت القدمان، ونطق به اللسان، وعملت الجوارح والأركان، فإن رحمك الله فإلى الجنة، وإن كانت الأخرى فإلى الميزان.

يا غافلاً عن هذه الأحوال إلى كم هذه الغفلة والتوان؟ أتحسب أن الأمر صغير، وتزعم أن الخطب يسير؟ وتظن أن سينفعك حالك إذا آن ارتحالك، أو ينقذك مالك حين توبقك أعمالك، أو يغني عنك ندمك إذا زلت بك قدمك، أو يعطف عليك معشرك حين يضمك محشرك، كلا والله ساء ما تتوهم، ولا بدَّ أن ستعلم لا بالكفاف تقنع، ولا من الحرام تشبع، ولا للعظات تسمع، ولا بالوعيد ترتدع، دأبك أن تتقلب مع الأهواء، وتخبط خبط العشواء، يعجبك التكاثر بما لديك، ولا تذكر ما بين يديك. يا نائماً في غفلة، وفي خبطة يقظان، إلى كم هذه الغفلة والتوان، أتزعم أن ستُترك سُدَى، وأن لا تحاسب غداً، أم تحسب أن الموت يقبل الرِّشا؟ أم تميز بين الأسد والرَّشا؟

كلا والله، لن يدفع عنك الموت مالك ولا بنون، ولا ينفع أهل القبول إلا العمل المبرور، فطوبى لمن سمع ووعى، وحقق ما ادعى، ونهى النفس عن الهوى، وعلم أن الفائز من ارعوى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، فانتبه من هذه الرقدة، واجعل العمل الصالح لك عدة، ولا تتمنَّ منازل الأبرار وأنت مقيم على الأوزار، عامل بعمل الفجار، وراقب الله في الخلوات، ولا يغرنك الأمل، فتزهد عن العمل..، وأنشدوا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015