النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه "، وهذا موافق لحديث عمر، فإنه إذا جاز أن يزيده عذاباً ببكاء أهله، جاء أن يعذب غيره ابتداء ببكاء أهله، ولهذا رد الشافعي في " مختلف الحديث " هذا الحديث نظراً إلى المعنى، وقال الأشبه روايتها الأخرى: " إنهم يبكون عليه، وإنه ليعذب في قبره " (?) .
ورد قول الذين ظنوا أن الحديث يفيد معاقبة الإنسان بذنب غيره، فقال: " والذين أقروا هذا الحديث على مقتضاه، ظن بعضهم أن هذا من باب عقوبة الإنسان بذنب غيره، وأن الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، واعتقد هؤلاء أن الإنسان يعاقب بذنب غيره، فجوزوا أن يدخل أولاد الكفار النار بذنوب آبائهم (?) وبعد أن أطال النفس في هذه المسألة: مسألة دخول أولاد الكفار النار بذنوب آبائهم، وأن هذا ليس بصواب من القول، وأن الحق أن الله لا يعذب إلا من عصاه، وأن الذين لم يبتلوا يمتحنون في عرصات القيامة، قال: " وأما تعذيب الميت: فهو لم يقل: إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه، بل قال: " يعذب "، والعذاب أعمُّ من العقاب، فإن العذاب هو الألم، وليس كل من تألم بسبب كان ذلك عقاباً له على ذلك السبب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " السفر قطعة من العذاب، يمْنَعُ أحدكم طعامه وشرابه "، فسمى السفر عذاباً، وليس هو عقاباً.
والإنسان يعذب بالأمور المكروهة التي يشعر بها، مثل الأصوات الهائلة، والأرواح الخبيثة، والصور القبيحة، فهو يتعذب بسماع هذا وشَمِّ هذا، ورؤية هذا، ولم يكن ذلك عملاً له عوقب عليه، فكيف ينكر أن يعذب الميت بالنياحة، وإن لم تكن النياحة عملاً له، يعاقب عليه؟