وإذا كان شيئان متقابلين مثل اَ وبَ، وكانت اَ أمرا مؤثرا عندنا وبَ متجنبا، وكان أيضا شيئان آخران متقابلين مثل جَ ودَ، وكانت جَ أيضا متجنبا ودَ مؤثرا ومطلوبا، فإنه إن كان كلا اَ وجَ أفضل من كلى بَ دَ فإن اَ أفضل من دَ وآثر لأنه لما كان اَ وبَ متقابلين وكانت اَ مطلوبة وبَ متجنبة كان اَ مطلوبا مثلما بَ متجنبة. وذلك أن كل متقابلين فهما في غاية واحدة من التقابل. وإذا كان هذا هكذا فإنا نقول إن اَ تكون ضرورة أفضل وآثر من دَ، لأنها إن لم تكن آثر فهي إما مساوية لها وإما أن تكون دَ آثر منها. فإن كانت اَ ودَ بالسوية مطلوبين فهو بين أن جَ وبَ بالسوية مهروب منهما، لأن بَ مساوية في الهرب منها للألف في الطلب، وجَ في الهرب منها لدَ في الطلب لها. وإذا كان ذلك كذلك فإن كلي اَ جَ مساويان في الطلب لكلى بَ دَ وقد كنا فرضنا أن اَ وجَ آثر، هذا خلف لا يمكن. وإن فرضنا دَ آثر من اَ لزم أن تكون بَ أقل في باب الهرب من جَ. وذلك أن ما هو أقل هربا هو المقابل لما هو أقل طلبا، والأكثر هربا هو المقبل لما هو أكثر طلبا. وإذا كان دَ أكثر طلبا من اَ فجَ أكثر هربا من بَ فتكون دَ وبَ أكثر طلبا وأقل هربا من اَ وجَ، والأكثر طلبا والأقل هربا هو آثر، فدَ وبَ مجموعين آثر من اَ وجَ مجموعين وذلك نقيض ما وضعنا، هذا خلف لا يمكن فواجب متى فرضنا اَ وجَ آثر من بَ ودَ أن تكون اَ آثر من دَ. ومثال ذلك من المواد أن تبين لمن ابتلي بمحبة أن الأفضل له أن يختار أن لا يواتيه محبوبه من أن يواتيه. وذلك أنه لما كان من الظاهر أن الأفضل له أن يختار أن يواتيه مع أن لا يواتيه من أن يواتيه مع أن لا يختار أن يواتيه، فيجب بحسب ما قدمنا أن يختار أن لا يواتيه أفضل من أن يواتيه.
وبهذا بين أفلاطون أن الأفضل للمحب أن لا يجامع لأن الجماع مواتاة يرتفع معها اختيار أن يواتيه. وإذا لم يجامع اختار أن يواتيه. فالمحبة إذن كما يقول أرسطو إما أن لا يكون من فعلها الجماع وإما أن يكون الجماع إنما هو شهوة مقترنة بالمحبة. والمنزل الطبيعي أولا إنما يلتئم من المحبة أو هذه الشهوة، فحينئذ يكمل فعله فإن كثيرا من الشهوات إذا اقترنت بالصنائع والأخلاق تممت أفعال تلك الصناعة أو تلك الخلق إذا استعملها الإنسان مقدرة بحسب تلك الصناعة، وذلك مثل الشجاعة الطبيعية إذا اقترنت بالفروسية فحينئذ يكون فعل الفروسية على التمام.
فقد تبين من هذا كيف حال الحدود المنعكسة بعضها على بعض وكيف يقايس بين الآثر والأفضل بهذا النوع من الاستدلال. ويشبه أن يكون أرسطو إنما خص هذا الموضوع بالذكر هاهنا دون سائر مواضع الآثر والأفضل لقرب هذا من طبيعة القياس- أعني في عمومه.
قال: وينبغي أن يبين الآن أن سائر المقاييس التي تستعمل في الخطابة والفقه والمشورة راجعة إلى المقاييس التي سلفت. وبذلك يصح لنا أن نقول إن جميع المقاييس تكون بالأشكال التي سلفت، ليس البرهانية فقط ولا الجدلية بل وجميع المقاييس الفكرية وبالجملة كل تصديق يقع في كل صناعة، وذلك بين من أن كل تصديق إما أن يكون بالقياس وما يجانس القياس- وهو المسمى ضميرا- وإما بالاستقراء وما يجانس الاستقراء- وهو المسمى تمثيلا.