القياس (صفحة 37)

فإذ قد تبين أن السوالب الممكنة لا تنعكس، فلنضع مقدمتين كليتين ممكنتين إحداهما موجبة والأخرى سالبة في الشكل الثاني- مثل قولنا كل جَ هو بَ بإمكان وكل اَ يمكن أن لا يكون بَ- فأقول إن هذا التأليف لا ينتج شيئا، لأنه لا يمكن أن تنعكس السالبة الممكنة كما أمكن ذلك في المادة المطلقة والضرورية. ولا بقياس الخلف تبين أيضا أنه يكون قياس، لأنه إن أخذنا نقيض النتيجة الموجبة الممكنة الحقيقية لم يعرض عن ذلك محال إذ كانتا متلازمتين- أعني الموجبة الممكنة والممكنة السالبة. وكذلك إن أخذنا النقيض جزئية ضرورية موجبة أو سالبة. وبالجملة وإن كان عن هذا التأليف قياس، فإنه إنما ينتج بالذات نتيجة ممكنة إذ كانت المقدمتان ممكنتين، لا نتيجة مطلقة ولا ضرورية إذ كان ليس في هذا القياس مقدمة بهذه الصفة. فإن كان ينتج نتيجة ممكنة فإما أن تكون سالبة ممكنة وإما موجبة ممكنة. لكن تبين من الحدود أنها تنتج مرة سالبة ضرورية، ومرة موجبة ضرورية. وبكل واحدة من هاتين النتيجتين يبطل أن تنتج سالبة ممكنة أو موجبة ممكنة، وذلك أن السالبة الضرورية تناقض الموجبة الممكنة والسالبة الممكنة وكذلك الموجبة الضرورية تناقض كليهما. فالحدود التي تنتج في هذه المادة سالبة الإنسان والأبيض والفرس. والأبيض هو الحد الأوسط والإنسان الأصغر، ويأتلف هكذا: كل إنسان يمكن أن يكون أبيض وكل فرس يمكن أن لا يكون أبيض، والنتيجة ولا إنسان واحد فرس- وهي سالبة ضرورية. وإذا كانت اَ مسلوبة عن جَ باضطرار، لم يصدق أن كل اَ ممكنة أن تكون في جَ ولا كل اَ ممكنة أن لا تكون في جَ لأنها تنعكس على الموجبة فمن هاهنا تبين أن هذا التأليف ليس بمنتج نتيجة ممكنة لا سالبة ولا موجبة. وقد تبين ذلك أيضا من أنه ينتج في بعض المواد موجبة ضرورية. وذلك إذا أخذنا بدل الفرس الحي، وذلك أنه ينتج كل إنسان حي- وهي موجبة ضرورية. وليس يمكن أن يصدق معها لا الموجبة الممكنة ولا السالبة الممكنة، وذلك أن مناقضتها للسالبة الممكنة بين بنفسه ومناقضتها للموجبة الممكنة من أجل لزومها للسالبة الممكنة. وكذلك تبين أنه لا يكون قياس في هذا الشكل وإن غير مكان السالبة- أعني إن جعلت صغرى بعد أن كانت كبرى أو بالعكس. وكذلك تبين أنه لا يكون قياس وإن أخذت كلتا المقدمتين موجبتين أو سالبتين. والبرهان على ذلك بهذه الحدود بأعيانها، ولن يعسر ذلك على من تأملها.

تأليف الوجودي والممكن في الشكل الثاني

وإذا كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل مطلقة والأخرى ممكنة وكانت السالبة هي الممكنة، فإنه لا يكون عن ذلك قياس أصلا كلية كانت كلتا المقدمتين أم جزئية. والبرهان على ذلك هو البرهان الذي استعمل إذا كانتا معا ممكنتين وبتلك الحدود بأعيانها- أعني أنها توجد مرة تنتج سالبة ضرورية ومرة موجبة ضرورية. فإن كانت المقدمة سالبة هي المطلقة والموجبة هي الممكنة وكانتا معا كليتين، فإنه يكون قياس. وذلك أن السالبة المطلقة تنعكس، فيكون الشكل الأول- على ما تقدم- وسواء كانت السالبة هي الكبرى أو الصغرى. لكن إذا كانت الصغرى تبين ذلك بعكسين عكس المقدمة وعكس النتيجة على ما سلف.

فإن كانت كلتاهما- أعني الكليتين- سالبتين وكانت إحداهما ممكنة والأخرى مطلقة، فإنه يكون قياس غير تام إذا انعكست السالبة الممكنة إلى الموجبة التي تلزمها، لأنه يكون مؤتلفا من مقدمتين مطلقة سالبة وممكنة موجبة. وإن كانت كلتا المقدمتين موجبتين فإنه لن يكون قياس، وذلك تبين من أنها تنتج مرة موجبة ومرة سالبة. أما الحدود التي تنتج الموجب فهي الإنسان والصحة والحي. وذلك أن كل إنسان يمكن أن يكون صحيحا وكل حي هو صحيح وكل إنسان حي باضطرار- وهي النتيجة. وأما التي تنتج السالب فالإنسان والصحة والفرس. وذلك أن كل إنسان يمكن أن يكون صحيحا وكل فرس هو صحيح، والنتيجة ولا إنسان واحد فرس- وهي سالبة ضرورية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015