فقد تبين من هذا أن نتيجة هذا القياس هي ممكنة. وإنما يعرض لهذا التأليف أن يكون منتجا بهذه الجهة- أعني أن لا ينتج مرة الإيجاب الضروري ومرة السلب الضروري كالحال في المقاييس الغير منتجة متى أخذت المطلقة الحقيقية، وهي التي يصح فيها الحمل الكلي المطلق، أعني التي يشاهد بالحس وجود المحمول فيها لجميع الموضوع في جميع الزمان أو في أكثره. وهذه هي المقدمات التي تنشأ عن الاستقراء الذي يستوفي فيه جميع الجزئيات- مثل أن كل غراب أسود وكل ثلج أبيض. والفرق بينها وبين الضرورية أن هذه يخطر بالبال إمكان عدمها في الأقل من الزمان المستقبل، والضرورية لا يخطر ذلك فيها بالبال لأن الذهن يشعر فيها بالنسبة الذاتية التي بين المحمول والموضوع. ومن هذه المطلقة- كما يقول أرسطو- تعمل أكثر المقاييس. وأما المطلقة التي توجد في الأقل من الزمان- مثل أن كل متحرك إنسان- فهو بين أنه لا يعمل منها قياس- وبخاصة مع الممكنة- كما لا يعمل في الممكنة الأقلية قياس. وهذه المطلقة- أعني التي لا يصح فيها الحمل الكلي إلا في زمان معين متى أخذت الكبرى والصغرى ممكنة- فإنها توجد مرة تنتج الموجب ومرة تنتج السالب. السبب في ذلك أن هذه المطلقة إنما تصدق الكلية فيها في الزمان الحاضر، والمقدمة الصغرى من جهة ما هي ممكنة ليست بمنطوية تحت الكبرى إذ كان الممكن هو الموجود في الزمان المستقبل.
فهذا هو عندي معنى إيصاء أرسطو أن تكون المقدمات الكلية المأخوذة صادقة على الأزمنة الثلاثة، لا ما يظنه أبو نصر من أن هذه الوصية هي في معنى المقول على الكل، فإنه ليس يمكن أن يوجد المقول على الكل في المقدمة الكبرى الوجودية الحقيقية عاما في الأزمنة الثلاثة إلا في بعض المواد- وهي التي يصدق فيها أن اَ موجودة بالفعل لكل ما هو بَ بالقوة أو بالفعل. وإذا وجد الأمر بهذه الصفة فالتأليف من ذلك يكون منتجا بحسب المقول على الكل. فإن كان أرسطو وصى أن لا تستعمل المقدمات المطلقة إلا في هذه المادة فما باله قد قال أنها غير منتجة بحسب المقول على الكل- أعني المطلقة إذا اختلطت مع الممكنة- وبين إنتاجها بالخلف، وما باله قد قال فيها إنها تنتج الموجب مرة والسالب أخرى. فإذن واجب أن تكون هذه المطلقة هي غير المطلقة التي بين أنها تنتج بطريق الخلف. ويكون السبب عن إعراضه عن المنتج منها بحسب المقول على الكل العام صدقه في بعض المواد لا في كلها وليس هذه الوصية أيضا مما يفهم منها أن المقدمة الوجودية عنده هي التي تشتمل الضروري والممكن كما فهم ذلك ثامسطيوس، فإن هذه المقدمة- أعني المطلقة التي بهذه الصفة- ليس لها وجود خارج الذهن، والقصد هاهنا إنما هو إحصاء جهات المقدمات المطابقة لأصناف الوجود أو للمعارف الأول. فأما أن كان قصد أرسطو بالجهات إحصاء فصول المقدمات من جهة الوجود فليس ينتفع بالمطلقة على رأي ثاوفرسطس وثامسطيوس. وإن كان أراد إحصاءها من جهة المعارف الأول التي لنا بالطبع فقد ينتفع بها، فإن كثيرا ما نعلم أن المحمول موجود للموضوع ونجهل هل هو موجود بإمكان أو باضطرار. ويشبه أن يكون قصد بالمطلقة الأمرين جميعا- أعني المطلقة بحسب الوجود والمعرفة 0 وهي التي حددنا، لا التي يذكرها الإسكندر فإن تلك لا يأتلف منها قياس إلا بالعرض- أي في وقت ما مخصوص. وإذا خلطت مع الممكن فليس يأتلف منها قياس أصلا- أعني أن تكون الصغرى ممكنة. فعلى هذا التأويل تنحل الشكوك الواردة على كلام هذا الرجل، مع أنه التأويل ألحق اللائق بمذهبه في هذه الصناعة.