وإن كانت إحدى الكليتين موجبة والأخرى سالبة فجهة النتيجة تابعة ضرورة لجهة السالبة، لأن العكس إنما يكون في الموجبة فتصير السالبة كبرى في الشكل الأول، فإن كانت ضرورية كانت النتيجة ضرورية على ما تبين وإن كانت مطلقة فمطلقة.
وإن كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل- أعني في المنتج منها- كلية والأخرى جزئية وكانتا موجبتين فإن النتيجة تابعة للكلية منهما لأنها التي لا تنعكس في هذا الشكل، لأنها إن انعكست كان القياس من جزئيتين وقد تبين أنه غير منتج. وإذا لم تنعكس فهي التي تكون كبرى في الشكل الأول. وإن كانت إحداهما موجبة والأخرى سالبة فإن جهة النتيجة تابعة لجهة السالبة، لأن السالبة إن كانت في هذا الشكل هي الكلية فهي الكبرى في الشكل الأول، إذ كانت الصغرى لا يمكن أن تكون في الشكل الأول سالبة. وإن كانت الجزئية فقوتها عند البيان بالافتراض قوة السالبة الكلية، على ما تبين من الافتراض.
قال: وينبغي الآن أن يقال متى يكون القياس من مقدمات ممكنة وكيف يكون وبماذا يكون. والممكن بالجملة هو الذي ليس بالضروري ومتى وضع موجودا لم يعرض من ذلك محال. ونعني بالذي هاهنا ما يشتمل الشيء الموجود بالفعل والمعدوم، وبالضروري جميع أصناف ما يقال عليه الضروري- أعني الضروري المطلق والضروري بالإضافة إلى وقت ما إما في الماضي وإما في الحاضر وإما في المستقبل، الموجب من كل هذه والسالب- لا ما يقال عليه الضروري باشتراك الاسم، وهو الممكن الذي قصدنا حده هاهنا.
فأما أن هذا هو حد الممكن فذلك يظهر من أنه ليس يمكن أن يصدق المتناقضان معا، لأن القول بأن الشيء لا يمكن أن يكون ومحال أن يكون وباضطرار أن لا يكون يناقضه قولنا يمكن أن يكون وليس بمحال أن يكون ولا باضطرار أن لا يكون. وذلك أن هذه يلزم بعضها بعضا-أعني أنه يلزم قولنا لا يمكن أن يكون قولنا محال أن يكون وقولنا باضطرار أن لا يكون، كما يلزم قولنا ممكن أن يكون قولنا ليس بمحال أن يكون ولا ضروري أن لا يكون. وإذا كان ذلك كذلك وكان كل واحد من الأشياء واجبا إما أن تصدق عليه السالبة أو الموجبة، فإذن قولنا ممكن أن يكون واجب أن يصدق عليه قولنا ليس بالضرورة أن لا يكون إذ كان يكذب عليه قولنا بالضرورة لا يكون. ولذلك ينعكس هذا حتى نقول كل ممكن فليس بضروري أن يكون وأن لا يكون وما ليس بضروري أن يكون وأن لا يكون فهو ممكن. ولذلك يشبه أن يكون جنس هذا الحد ما يدل عليه لفظ الذي- وهو الشيء الذي يشمل الموجود والمعدوم كما قلنا- وفصله قولنا ليس بضروري إذ كان بقي الدائم الوجود والدائم العدم. ويكون ما زيد فيه من أنه إذا وضع موجودا لم يلزم عنه محال خاصة من خواص الممكن لا فصلا من فصوله. وهذا هو مذهب أبي نصر في هذا الحد. ويحتمل أن يكون هذا القول هو الفصل الأخير في الحد ويكون المفهوم من قولنا ما ليس بضروري أي ليس وجوده في المستقبل بالضرورة، مثل كسوف القمر. ولأن قولنا ليس وجوده بالضرورة يصدق على الممتنع زيد فيه ومتى أنزل موجودا لم يعرض عنه محال. فيكون على هذا جنس الممكن هو المعدوم، والفصل الذي يخصه هو إذا وضع موجودا لم يلزم عنه محال. وهذا هو مذهب جل المفسرين من المشائيين.