القياس (صفحة 20)

وأما ما يحتجون به أيضا من أنه قد يوجد في بعض المواد ما ينتج المطلق، وهو مؤلف من مطلقة صغرى وضرورية كبرى- مثال ذلك قولنا كل إنسان يمشي أي بالفعل وكل ماش متحرك باضطرار فكل إنسان متحرك لا باضطرار- فإن وجه التغليظ في ذلك أن الماشي ليس هو متحرك باضطرار من جهة ما هو إنسان، وإنما هو متحرك من جهة ما هو ماش فإذا اشترط هذا الشرط المأخوذ في المقدمة الكبرى في النتيجة كانت ضرورية- وهو أن كل إنسان متحرك باضطرار من جهة ما هو ماش. وليس ينبغي أن يجاب في هذا بأن يقال إنما عرض في هذا التأليف أن تكون النتيجة مطلقة والكبرى ضرورية من أجل أن هذه المقدمة الضرورية ليس يوجد فيها شرط المقول على الكل الذي استعمله أرسطو على العموم في هذا الكتاب- وهو أن تكون اَ محمولة بالضرورة على كل ما يوصف ببَ بإيجاب، كان موصوفا ببَ بالفعل أو بالضرورة أو بإمكان- فإنه لا فائدة في هذا الاشتراط إذا لم يكن صادقا في جميع المواد، وإنما ينبغي أن يشترط الشيء الصادق في جميع المواد. ونحن إذا استقرينا المواد ظهر لنا أن قولنا كل ما هو بَ هو اَ بالضرورة أو هو اَ بإطلاق أن في بعض المواد معناه كل ما هو بَ بالفعل فهو اَ باضطرار- مثل قولنا كل ماش متحرك باضطرار- وفي بعض المواد معناه كل ما هو بَ بالقوة أو بالفعل فهو اَ باضطرار- مثل قولنا كل متحرك هو جسم. وكذلك الأمر في القضية المطلقة. وإذا كان الأمر هكذا فإذن المقول على الكل الصادق في كل مادة في المقدمة الضرورية والمطلقة هو أن تكون اَ موجودة بالضرورة وبإطلاق على كل ما هو بالفعل بَ إذ كان في بعض المواد يصدق على كل ما هو بالقوة والفعل بَ وفي بعضها على ما هو بالفعل فقط، لأن اَ إذا صدقت على كل ما هو بالقوة بَ فهي تصدق على ما هو بالفعل، وليس ينعكس هذا- أعني أنه ليس إذا صدقت على كل ما بالفعل بَ فهي تصدق على كل ما هو بالقوة بَ. ولهذا ما يجب أن يكون شرط المقول على الكل في الضرورية والمطلقة أن يكون الطرف الأكبر محمولا على كل ما هو الحد الأوسط بالفعل- أعني على ما يحمل عليه الحد الأوسط بالفعل لا بالإمكان. ولذلك متى كانت المقدمة الصغرى ممكنة والكبرى ضرورية أو مطلقة، لم يكن القياس منتجا بحسب المقول على الكل في كل مادة على ما صرح به أرسطو بعد لأنه إنما يكون منتجا بحسب المقول على الكل في بعض المواد- وهي التي يصدق فيها أن اَ بإطلاق أو بالضرورة على كل ما هو بَ بالفعل أو بالقوة. وما يكون من قبل المواد فغير معتبر هاهنا. فتأمل هذا، فإن أبا نصر قد وهم على أرسطو فيه. وأما المقدمة الممكنة الكبرى فإنه يوجد فيها في جميع المواد الشرط الذي ظن به أبو نصر أنه شرط أرسطو في المقول على الكل في جميع أصناف المقدمات. وذلك أن قولنا كل ما هو بَ فهو اَ بإمكان يصدق على ما كان بالقوة أو بالفعل بَ. ولذلك متى كانت الكبرى ممكنة، كانت النتيجة ممكنة في أي ضرب كان من الاختلاط على ما سيبين بعد. فليس إذن شرط المقول على الكل في جميع المقدمات الثلاث- أعني المطلقة والضرورية والممكنة- هو واحد على ما ظنه أبو نصر من أن يكون المحمول بإطلاق أو بالضرورة أو بإمكان على كل ما هو بَ بأي واحد كان من هذه الأصناف الثلاثة- أعني بإمكان أو باضطرار أو بالفعل. ولا هو أيضا ما ذكره عن الإسكندر من أن شرط المقول على الكل المستعمل في هذا الكتاب هو أن تكون اَ محمولة باضطرار أو بإمكان أو بالفعل على كل ما هو بالفعل بَ فقط. فإنه لو كان الأمر هكذا لم تنتج التي من ممكنتين بحسب المقول على الكل. وهذا واضح فتدبره.

والاستقراء شاهد لمذهب أرسطو، فإنه لا فائدة في شرط لا يطابق المواد- على ما ذهب إليه أبو نصر- ولا في شرط لا يعم جميع أصناف المقدمات- على ما ذهب إليه الإسكندر. وبهذا تنحل الحيرة التي عرضت للناس في مذهب أرسطو في اختلاط الممكن مع الوجودي والضروري على ما سيبين من قولنا إذا وصلنا إلى ذلك الموضع أن شاء الله. فقد تبين أن الحكم في اختلاف الضرورية مع المطلقة للمقدمة الكبرى في الشكل الأول.

القول في اختلاط المطلقة والضرورية في الشكل الثاني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015