وأما غزوة بدر الآخرة: فقد كانت بعد غزوة أحد بعام كامل، وكانت ردًّا على أبي سفيان حيث توعد المسلمين بعد غزوة أحد، وقال: يوم بيوم بدر، والموعد العام المقبل في بدر.
وقد خرج المسلمون في ألف مقاتل ما بين راكب وراجل بقيادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان خروجهم بنفس الوقت والموعد الذي وقعت فيه غزوة أحد، وإلى نفس المكان الذي توعدهم باللقاء فيه أبو سفيان له دلالته الواضحة على قوة المسلمين وثقتهم.
وأما أبو سفيان وقبيله فقد عاكسهم الحظ ولم يتمكنوا من تجهيز الجيش الذي يثقون به، فأرادوا أن يثبطوا همة المسلمين فأرسلوا رجلًا1 إلى المدينة يقول لهم: إن قريشًا قد جمعت جيشًا لا قبل لكم بمواجهته ... ولكن زادهم هذا القول إيمانًا على إيمانهم ... وخرجوا في شجاعة وإقدام حتى وصلوا إلى بدر، وأقاموا فيها ثمانية أيام يتحدون المشركين وينتظرونهم، ولكن المشركين وعلى رأسهم أبو سفيان- آثروا السلامة والعافية، فرجعوا إلى مكة يجللهم العار، وكانوا قد خرجوا وقطعوا من الطريق مرحلتين2.
وهكذا كانت غزوة بدر الآخرة إعلانًا كريمًا للمسلمين، ووصمة عار في جبين المشركين، وقد محت هذه الغزوة كل أثر سيئ لمعركة أحد داخل المدينة وخارجها على حد سواء.