ولم يقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمام أعدائه الذين يتربصون به الدوائر موقفًا سلبيًّا، ولم يكتف بمجرد الدعاء عليهم، ولكنه بدأ دوره الإيجابي في استئصال جذور الشر والقضاء على الفتن كلما اشتعلت نارها. وقد خرج من أجل ذلك في عدة غزوات صغيرة، وهي غزوة ذات الرقاع، وغزوة بدر الأخيرة، وغزوة دومة الجندل.
فأما غزوة ذات الرقاع فقد كان الغرض منها إحباط المحاولة التي قام بها بنو محارب حيث أرادوا غزو المدينة، وكان الغرض منها كذلك تأديب بعض القبائل التي كانت تعتدي على المسلمين بين الحين والحين.. وقد خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما علم بتجمع بني ثعلبة وبني محارب واتفاقهم على غزو المدينة، وكان معه أربعمائة1 ما بين راكب وراجل، وولى على المدينة عثمان بن عفان، ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا ديار القوم في نجد على مرحلتين من المدينة، وقد أزعجتهم مباغتة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهم فخافوا وتفرقوا في رءوس الجبال تاركين نساءهم وأموالهم، وعلى الرغم من ذلك كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذرًا وخائفًا من غدرهم وخيانتهم، فصلى بالمسلمين صلاة الخوف.
وقد ألقى المسلمون الرعب في قلوب أعدائهم ثم رجعوا إلى المدينة سالمين غانمين2.