هذا الصنيع، ولا يروقه هذا المظهر الوضيع، فيتساءل في نفسه كيف يمكن أن يعيد الإنسان العاقل صنمًا لا يعقل ولا يفكر ولا يسمع ولا يبصر؟ وكيف يمكن أن يوجد هذا العالم بما يحويه من عجائب، وما يحيط به من أسرار، دون حاجة إلى موجد عظيم سميع بصير قوي قادر عليم حكيم.

وأشرقت نفسه بهذه الرياضة الروحية العالية، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح1، أي وقعت كما رآها في المنام ليس فيها أوهام ولا أضغاث أحلام. ثم حببت إليه الخلوة والانقطاع عن الناس؛ فكأن يخلو بغار حراء ويتعبد فيه الليالي ذوات العدد، ويحمل معه الطعام والماء. فإذا فرغ رجع إلى السيدة خديجة فحمل ما يحتاجه من الزاد، ثم ينطلق إلى الغار ليتعبد. وكانت هذه العبادة على دين إبراهيم، وقيل كان بالتأمل والتفكير في هذا الكون العجيب، وما يحيط به من أسرار دقيقة تدل على وجود إله قدير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} 2.

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} 3.

وقد لجأ محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- إلى العبادة عن طريق التأمل والتفكير، حينما وضح له أن مكة قد أحاطت بها ظلمات الشرك والضلال، وغرقت إلى الأذقان في عبادة الأصنام والأوثان، وأن البيت العتيق الذي هو موضع الطهر والقداسة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015