وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى اجْتِهَادٍ مُجَرَّدٍ كَمَنْ دَفَعَ مَالًا تَحْتَ يَدِهِ إلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مَالِكُهُ أَوْ أَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، أَوْ دَفَعَ مَالَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ لِحَقِّ اللَّهِ إلَى مَنْ يَظُنُّهُ مُسْتَحِقًّا ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأَ، فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَنِدَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ فَنَقَصَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلُ. (مِنْهَا) أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِمَوْتِ زَيْدٍ فَيُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانَ الشَّهَادَةِ بِقُدُومِهِ حَيًّا فَنَصَّ [أَحْمَدُ] فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمَالَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْوَرَثَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ اخْتِصَاصُهُمْ بِهِ وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي تَقْرِيرِ الضَّمَانِ عَلَى الْغَارِّ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَغْرَمَ الْوَرَثَةَ وَرَجَعُوا بِذَلِكَ عَلَى الشُّهُودِ لِتَغْرِيرِهِمْ وَلَا ضَمَانَ هُنَا عَلَى الْحَاكِمِ ; لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَى الْحُكْمِ مِنْ جِهَةِ الشُّهُودِ وَنَقَلَ أَبُو النَّضْرِ الْعِجْلِيّ عَنْ أَحْمَدَ فِي حَاكِمٍ رَجَمَ رَجُلًا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ وَلَعَلَّ تَضْمِينَهُ هَهُنَا لِتَفْرِيطِهِ إذْ الْمَجْبُوبُ لَا يَخْفَى أَمْرُهُ غَالِبًا فَتَرْكُهُ الْفَحْصَ عَنْ حَالِهِ تَفْرِيطٌ.

(وَمِنْهَا) لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ وَصَرَّحُوا بِالْخَطَأِ أَوْ التَّعَمُّدِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَخْتَصُّ بِهِمْ لِاعْتِرَافِهِمْ وَلَا يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ بَاعَ عَيْنًا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِآخَرَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الثَّانِي

(وَمِنْهَا) أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِمَالٍ وَيَسْتَوْفِيَ ثُمَّ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَوْ كُفَّارٌ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي الْبَاطِنِ غَيْرُ نَافِذٍ بِالِاتِّفَاقِ نَقَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ. وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَهُوَ نَافِذٌ وَهَلْ يَجِبُ نَقْضُهُ؟ الْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي كَتَبَيُّنِ انْتِفَاءِ شَرْطِ الْحُكْمِ فَلَمْ يُصَادِفْ مَحِلًّا ثُمَّ يَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ لِإِتْلَافِهِ لَهُ مُبَاشَرَةً قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ لَهُ مُعْسِرًا فَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الْإِمَامِ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُزَكِّينَ بِحَالٍ، وَلَوْ حُكِمَ لِآدَمِيٍّ بِإِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ فَطَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: هُوَ كَالْمَالِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ هُوَ الْمَحْكُومُ لَهُ وَالْإِمَامُ مُمَكَّنٌ لَا غَيْرُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُحَرَّرِ.

وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ الْحَاكِمُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ وَفْقُ إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ ; لِأَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا فَنَسَبَ الْفِعْلَ إلَى خَطَأِ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَوْفِي حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْإِمَامِ وَحَكَى الْقَاضِي وَغَيْرُهُ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ إذَا بَانَ الشُّهُودُ فُسَّاقًا وَيَضْمَنُ الشُّهُودُ كَمَا لَوْ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَإِنَّمَا أَخَذُوهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَتِلْكَ لَا فِسْقَ فِيهَا لِجَوَازِ الْعَدْلِيَّاتِ الشُّهُودِ وَإِنَّمَا ضَمِنُوا لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ شَهَادَتِهِمْ بِالْعِيَانِ فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ الرُّجُوعِ وَلَا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَ تَبَيُّنِ فَسَادِ الْمَحْكُومِ بِهِ عِيَانًا وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015