الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةٌ عَنْهُ بِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَاَللَّه أَعْلَمُ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ) : مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلٍ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَبَادَرَ إلَى الْإِقْلَاعِ عَنْهُ، هَلْ يَكُونُ إقْلَاعُهُ فِعْلًا لِلْمَمْنُوعِ مِنْهُ أَوْ تَرْكًا لَهُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ؟ هَذَا عِدَّةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا أَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الِامْتِنَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ إلَّا وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ نَزْعُهُ فِعْلًا لِلْمَمْنُوعِ مِنْهُ.
فَمِنْ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ، أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَهُوَ رَاكِبُهَا، أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا، وَقُلْنَا إنَّ الِاسْتِدَامَةَ كَالِابْتِدَاءِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَخَلَعَ الثَّوْبَ وَنَزَلَ عَنْ الدَّابَّةِ وَخَرَجَ مِنْ الدَّارِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي الْكَفَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي وَالْحَالِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَمِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ فَإِنَّهُ يَنْزِعُهُ فِي الْحَالِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُحْرِمِ لَا عَلَى الْمُحِلِّ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِمَحْظُورَاتِهِ مُنْتَسِبٌ إلَى مُصَاحَبَةِ اللُّبْسِ فِي الْإِحْرَامِ كَمَا لَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَحْلِفَ وَلَا يَنْذِرَ حَتَّى يَتْرُكَ التَّلَبُّسَ بِمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ مَا إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُحَرَّمًا جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُهُ فِي الْحَالِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَنْصَاصًا لَهُ.
النَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَمْنَعَهُ الشَّارِعُ مِنْ الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَيَعْلَمَ بِالْمَنْعِ وَلَكِنْ لَا يَسْتَقِرُّ بِوَقْتِ الْمَنْعِ حَتَّى يَتَلَبَّسَ بِالْفِعْلِ فَيُقْلِعَ عَنْهُ فِي الْحَالِ.
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَلْ يَكُونُ إقْلَاعُهُ تَرْكًا لِلْفِعْلِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مُبَاحًا حَيْثُ وَقَعَ قَبْلَ وَقْتِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْفَاعِلِ بِتَرْكِهِ لِإِقْدَامِهِ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ فِي وَقْتِهِ لَا سِيَّمَا مَعَ قُرْبِ الْوَقْتِ [وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] .
مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا جَامَعَ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ فَأَدْرَكَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ فِي الْحَالِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِذَلِكَ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إذَا كَانَ حَالَ الِابْتِدَاءِ مُتَيَقِّنًا لِبَقَاءِ اللَّيْلِ وَيَبْنِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ جُزْءٌ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ لَيْسَ مِنْ الْجِمَاعِ وَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ تَطَوُّعًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا بِالْأَكْلِ وَلَا بِغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا يَكُونُ الْوَاقِعُ مِنْهَا فِي حَالَةِ