الَّذِي وَقَعَتْ الْمُحَابَاةُ فِيهِ وَقَعَ مُقَارِنًا لِمِلْكِ الْأَبِ، وَعِتْقُهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَمْ يُقَارِنْهُ فَقَدْ قَارَنَتْ الْمُحَابَاةُ شَرْطَ عِتْقِ الْأَبِ لَا عِتْقُهُ فَنَفَذَتْ كَسَبَقِهَا.
وَمِنْهَا لَوْ أَصْدَقَهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى خَمْسِينَ مِنْ الْمَهْرِ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَهْرِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَسْتَحِقُّهُ كُلَّهُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ خَمْسِينَ وَرَجَعَ إلَيْهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ النِّصْفُ الْبَاقِي وَالثَّانِي تَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَنْتَصِفُ بِهِ الْمَهْرُ وَيَصِيرُ مُشَاعًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْخَمْسِينَ الْمُخَالَعِ بِهَا إلَّا نِصْفَهَا، فَلَا يُسَلَّمُ لِلزَّوْجِ عِوَضًا عَنْ طَلَاقِهِ إلَّا نِصْفُ الْخَمْسِينَ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ بِالطَّلَاقِ النِّصْفُ.
وَمَنْ نَصَرَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَالَ تَنَصُّفُ الْمَهْرِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخُلْعِ لَا يُفَارِقُهُ فَقَدْ مَلَكَ الْخَمْسِينَ كُلَّهَا قَبْلَ التَّنْصِيفِ، لَكِنَّ مِلْكَهُ لَهَا قَارَنَ سَبَبَ التَّنْصِيفِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فَهَذَا مَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ، وَلِلْمَسْأَلَةِ مَأْخَذٌ آخَرُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّنَصُّفِ قَبْلَ الْمِلْكِ وَهُوَ أَنْ يُخَالِعَهَا لِخَمْسِينَ مِنْ الْمَهْرِ مَعَ عِلْمِهَا بِأَنَّ الْمَهْرَ يَنْتَصِفُ بِالْمُخَالَعَةِ هَلْ يَتَنَزَّلُ عَلَى خَمْسِينَ مُبْهَمَةٍ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْخَمْسِينَ الَّتِي يَسْتَقِرُّ لَهَا بِالطَّلَاقِ؟ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ، وَعَلَيْهِمَا يَتَنَزَّلُ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ السِّلْعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ هَلْ يَنْزِلُ الْبَيْعُ عَلَى نِصْفٍ مُشَاعٍ وَإِنَّمَا لَهُ فِيهِ نِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبُعُ أَوْ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَخُصُّهُ بِمِلْكِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَنَزَّلُ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَخُصُّهُ كُلَّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ أَشْرَكْتُك فِي نِصْفِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ سِوَى النِّصْفِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ الرُّبُعَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي التَّسَاوِيَ فِي الْمِلْكَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ النِّصْفِ حَتَّى يَقُولَ نَصِيبِي فَإِنْ أَطْلَقَ تَنَزَّلَ عَلَى الرُّبُعِ.
وَمِنْهَا إذَا تَزَوَّجَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَهْرٍ يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَفِي الْمُحَابَاةِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ الْوَارِثِ وَالثَّانِيَة تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيّ وَالْأَثْرَمُ وَصَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ أَنَّ الْإِرْثَ الْمُقَارِنَ لِلْعَطِيَّةِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الزَّوْجَةَ مِلْكُهَا فِي حَالِ مِلْكِ الزَّوْجِ الْبُضْعَ وَثُبُوتُ الْإِرْثِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ نَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ فِي مَرَضِهِ بِمَهْرٍ يَزِيد عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّرْتِيبِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ بِالْعَقْدِ وَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْعَطِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ لِمَنْ يَصِيرُ وَارِثًا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ لَكِنْ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ نَسِيبًا أَوْ زَوْجًا كَمَا فَرَّقَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ خِلَافِهِ بَيْنَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ النَّسَبَ سَبَبٌ إرْثُهُ قَائِمٌ حَالَ الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَوْجِيهِ أَبِي طَالِبٍ نَظَرٌ فَإِنَّ أَحْمَدَ لَوْ اعْتَبَرَ حَالَةَ الْعَقْدِ لَمَا جَعَلَهُ مِنْ