إن الفقهاء لا يقعدون إلا وهم يستندون إلى الكتاب أو السنة.
فأما من الكتاب: فقال الله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [يونس:36]، والظن في هذه الآية معناه: الشك، فإذا قال الله: الظن لا يغني من الحق شيئاً، يعني: الشك لا يزيل اليقين أبداً، ووجه الشاهد: إن الظن لا يغني من الحق شيئاً، ووجه الدلالة الحق لا يزول بالشك، أي: اليقين لا يزول بالشك الطارئ.
وأما من السنة: فحديث مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج ريح أم لا؟ فلا يخرجن من الصلاة حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).
وأيضاً: حديث عبد الله بن زيد المتفق عليه من البخاري ومسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن الرجل يجد في بطنه أيخرج من الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفتل -أي: لا ينصرف- حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).
وثبت أيضاً في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلى أحدكم فلم يدرِ ثلاثاً صلى أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن)، في رواية قال: (فليبن على الأقل)، يعني: لو صلى ثلاثاً ولا يدري أثلاثاً أم أربعاً فليقل: ثلاثاً ويأتي بالرابعة، فهذه ثلاثة أحاديث تثبت لنا هذه القاعدة أو هي مستند الفقهاء لهذه القاعدة.
ووجه الشاهد قوله: (فأشكل عيه أخرج ريح أم لا، فلا يخرجن من الصلاة حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ووجه الدلالة من هذا الحديث على التقعيد الفقهي الأصولي: أن اليقين: هو أنه على طهارة، فوجد الشيء في بطنه فأشكل، ومعنى أشكل: حدث الشك، فهذا الشك الطارئ هو الإشكال، وهو هل خرج ريح أم لا؟ فلا يزيل اليقين بالطهارة؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: (فلا يخرجن) ثم بين متى يخرج؟ فقال: (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ومعنى ذلك: أن اليقين لا يزال إلا بيقين، ولا يزول بالشك.
ووجه الشاهد من الحديث الثالث: (فلا يدري ثلاثاً صلى أم أربعاً) فهنا حدث الشك الطارئ وعنده يقين، فلا بد أن يبني على اليقين واليقين: هو الأقل.