اليقين في اللغة معناه: استقرار القلب أو طمأنينته للشيء، تقول: يقن الماء في الحوض إذا استقر، فهو: العلم الجازم دون التردد، واليقين اصطلاحاً هو علم جازم يخالف ويغاير الشك.
والشك: هو التردد وعدم الجزم.
أو نقول: المدركات العقلية خمسة أنواع: يقين، واعتقاد، وظن، وشك، ووهم.
إذاً: اليقين: هو جزم القلب، أو العلم الجازم، أو طمأنينة القلب، أو استقراره على الشيء مع وجود الدليل القطعي، كأن تقول للمؤمن بالجنة: أنت على يقين من ذلك، أو على علم يقين، أو على عين يقين؛ لأن اليقين له أبواب ثلاثة: علم يقين، وعين يقين، وحق اليقين.
أما علم اليقين: فهو كمؤمن موحد أتم توحيده دون أدنى شرك، فهذا علم يقيناً أنَّ ثوابه الجنة بدليل قطعي، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]، أي: أولئك لهم الأمن التام وهم مهتدون إلى مكانهم في الجنة، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله، مستيقناً بها قلبه دخل الجنة)، فهذا علم يقين.
وكذلك إن وقف هذا المؤمن على الصراط فينظر إلى المؤمنين يمرون كالبرق، أو كأجاويد الخيل، أو كالريح المرسلة، وينظر أمامه فيرى حور العين، ويرى حوراً لو غمست بأصبعها في الدنيا لأنارتها وملأتها مسكاً، فيراها بأم عينه، ويرى قصره في الجنة.
فهذه الرؤيا وهذه الوقفة التي وقفها تسمى عين اليقين، ثم إن مرَّ كالريح المرسلة عبر الصراط، ودخل الجنة وعانق الحور العين -اللهم اجعلنا كذلك يا رب العالمين- فهذا يسمى حق اليقين.
إذاً: فاليقين له ثلاث مراتب: علم يقين، وعين يقين، وحق اليقين، واليقين: هو طمأنينة القلب للأمر أو للشيء مع الدليل القطعي على ذلك.
والاعتقاد: هو يقين القلب، أو: طمأنينته، واستقراره، أو: العلم الجازم على شيء، لكن بدون دليل، وهذا الذي يسميه العلماء اعتقاد العوام، فيعتقدون بأن الخالق الرازق المهيمن المدبر هو الله، وأنه السيد الآمر المطاع الناهي، لكن عندما توقف المرأة العجوز في الشارع وتقول لها: من خلق الكون؟ فستقول: الله، فإذا قلت لها: أين الدليل؟ فستقول: وهل الله يحتاج لدليل؟ كما نذكر عن الأمام الرازي أنه كان يمشي وحوله من طلبة العلم وكانت امرأة عجوز تمر أمامه، فقالوا لها: نحي نفسك جانباً فقالت: وعلام؟ قالوا: العالم يسير، قالت: من العالم؟ قالوا: الرازي قالت: وما الرازي -تهكماً- قالوا: هذا الذي أتى بألف دليل على وجود الله، فضحكت المرأة العجوز، فقالت: وهل وجود الله يحتاج إلى دليل؟ فهذا اعتقاد العوام، ويسمى اعتقاداً ولا يسمى يقيناً؛ لأنهم لا يستندون إلى أدلة.
والظن: هو التردد بين أمرين أو تجويز أمرين -كأن تقول: جائز أن يكون موجوداً، وجائز أن يكون غير موجود، جائز أن يكون طاهراً، وجائز أن يكون نجساً- أحدهما راجح، فالراجح هو الذي يسمى الظن.
والشك: هو التردد بين أمرين، أو تجويز أمرين، كوجود عدمه، ولا مرجح في ذلك، وهذا يسمى ريباً أو شكاً.
والوهم: تجويز أمرين أحدهما أضعف، والأضعف هو الذي يسمى الوهم؛ لأنه المرجوح، فإذا جاء الدليل يبين الراجح منهما من المرجوح، فالراجح يسمى ظناً، والمرجوح يسمى وهماً، فهذه مدركات العقل.
ومعنى: اليقين لا يزول بالشك، باصطلاح الفقهاء: ما ثبت بالدليل القطعي، أو الواقع المشاهد بالفطرة، سواءً كان وجوداً أو عدماً، كأن نقول: ثبتت طهارة المرء الذي توضأ، حيث نزل الرجل تحت الماء وتعمم جسده بالماء بعدما كان جنباً، فاستيقن أنه على طهارة، فجاء ليصلي صلاة الفجر فشك في اغتساله من عدمه، فهذا الشك يسمى شكاً طارئاًن والأصل: اليقين.
إذاً: اليقين على أمر موجود لا يزول بشك طارئ، بل يبقى على ما هو عليه، كما فرع العلماء وقالوا: بقاء ما كان على ما كان، إذاً: الطهارة بيقين تبقى، وهذا الشك الطارئ لا يمكن أن يزيل هذا اليقين، وأيضاً: اليقين لا يزيله الشك الطارئ، كأن يقوم رجل من النوم، فهو على يقين أنه فاقد الطهارة، ثم ذهب إلى المسجد وجلس يقرأ القرآن، ثم تذكر فقال: أتوضأت أم لم أتوضأ، فهنا شك طارئ في الطهارة؛ لأنه قام من النوم واليقين هو عدم الطهارة، فنقول: الشك في الطهارة لا يزيل يقين عدم الطهارة، فعليك أن تنزل وتتوضأ.
فهذا معناها اصطلاحاً.
إذاً: فالمعنى اصطلاحاً: أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين، فالشك الطارئ لا يزيله، وما ثبت عدم وجوده باليقين فلا يدعى وجوده بالشك الطارئ، فهذا معنى هذه القاعدة.
وهذه القاعدة قال فيها العلماء: أغلب الفقه يندرج تحتها ولها فروع كثيرة، منها: الأصل بقاء ما كان على ما كان أو استصحاب الأصل، وأيضاً قولهم: القديم يبقى على قدمه، والأصل براءة الذمة، فكل هذه فروع لهذه القاعدة.