صورة أخرى: رجل كان يقف على جبل، فيقطع المخدرات ويبيعها، وقلنا له: حرام، قال: اتق الله أما علمت أن الله خلق المنافع للناس، وإني آخذ من هذه المنافع.
قلنا: ما هي المنفعة؟ قال: راحة الناس، وأيضاً: استجلاب المال فهو يدر عليَّ الربح الذي أطعم به أولادي.
نقول: حكم هذا البيع: أن هناك مفسدة نازعت المنفعة، ألا وهي إفساد الآخرين.
والمنفعة كما يقول: أما رأيت الرجل دائماً يرى نفسه قوياً، ويقول: أنا قوي جداً وهو يمشي في الشارع، فيرى شجاعته متمثلة وتتجسد أمامه إذا شرب هذه المشروبات، والأصل في البيع الحل، وهناك تراضٍ بين المشتري والبائع، وقد طبق في البيع كل الشروط والأركان، وفيها منفعة له وللمشتري.
والردُّ عليه: أنَّ هذه المنفعة ليست مصلحة بأي حال من الأحوال، فإنه يقف أمام هذه المنفعة مفسدة، فالشريعة جاءت بحفظ خمس كليات منها العقل، وبالمخدرات يزول العقل، فزوال العقل مفسدة تخالف مقاصد الشريعة، والمتعامل بالمخدرات يقع تحت اللعن شرعاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله شارب الخمر)، وشرب المخدرات مثل شرب الخمر.
فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، والدليل على ذلك بالتصريح من قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219]، فالخمر فيه منفعة أيضاً، ولكن إثمه أكبر، وقد غلب ضرره على النفع، ولذلك فرع العلماء على هذه القاعدة، فقالوا: إذا تعارض حاظر ومبيح غلب الحاظر على المبيح.