الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: من الآية110] ، فلهذا الوارد الذي لا قرار له، وعندما حقت الحقائق اضمحل وتلاشى، لا ينكر ويطلب للآيات تأويلات مخالفة لظاهرها.
ومن هذا الباب بل من صريحه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (?) [الحج: من الآية52] ، أيْ يلقي من الشبه ما يعارض اليقين.
ثم ذكر الحكم المترتبة على الإلقاء ولكن نهاية الأمر وعاقبته أن الله يبطل ما يلقي الشيطان، ويحكم الله آياته، والله عليم حكيم، فقد أخبر الله بوقوع هذا الأمر لجميع الرسل والأنبياء، لهذه الحكم التي ذكرها، فمن أنكر وقوع ذلك بناء على أن الرسل لا ريب ولا شك أنهم معصومون، وظن أن هذا ينافي العصمة، فقد غلط أكبر غلط، ولو فهم أن الأمور العارضة لا تؤثر في الأمور الثابتة لم يقل إلا قولاً يخالف فيه الواقع ويخالف بعض الآيات ويطلب التأويلات المستبعدات.
ومن هذا ـ على أحد قولي المفسرين ـ قوله تعالى عن يونس: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} ،
[الأنبياء: 87] ، وأنه ظنٌ عرضَ في الحال ثم زال، نظير الوساوس العارضة في أصل الإيمان التي يكرهها العبد حين ترد على قلبه، ولكن إيمانه ويقينه يزيلها ويذهبها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عندما شكى إليه أصحابه هذه الحال التي أقلقتهم، مبشراً لهم: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) (?) ، وأخبرهم أن هذا صريح الإيمان.
ويشبه هذا: العوارض التي تعرض في إرادات الإيمان لقوة وارد من شهوة أو غضب، وأن المؤمن الكامل الإيمان قد يقع في قلبه همٌّ وإرادة، لفعل بعض المعاصي التي تنافي الواجب ثم يأتي برهان الإيمان، وقوة ما مع العبد من الإنابة التامة، فيدفع هذا العارض.