وهذه قاعدة شريفة جليلة قد وردت في عدة مواضع من القرآن، فمن لم يحكمها حصل له من الغلط في فهم بعض الآيات ما يوجب الخروج عن ظاهر النص، ومن عرف حكمة تعالى الله في ورودها على الحق الصريح: لأسباب مزعجة تدفعها أو لشبهة قوية تحدثها ثم بعد هذا إذا رجع إلى اليقين والحق الصريح، وتقابل الحق والباطل، ووقعت الخصومة بينهما، فغلب الحقُ الباطل، ودمغه فزهق الباطل وثبت الحقُ، حصلت العاقبة الحسنة، وزيادة الإيمان واليقين، فكان في ذلك التقدير حكمٌ بالغة، وأيادٍ سابغة.
ولنمثل لهذا بأمثلة:
فمنها: أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أكمل الخلق إيماناً ويقيناً، وتصديقاً بوعد الله ووعيده، وهذا أمر يجب على الأمم أن يعتقدوا في الرسل، من أنهم قد بلغوا الذروة فيه، وأنهم معصومون من ضده، ولكن ذكر الله في بعض الآيات أنه قد يعرض لهم بعض الأمور المزعجة ـ المنافية حساً لما علم يقينا ـ ما يوجب لهؤلاء الكمل أن يستبطئوا معه النصر، ويقولون: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} ، [البقرة: من الآية214] ، وقد يخطر في هذه الحالة على القلوب شيء من عوارض اليأس بحسب قوة الواردات وتأثيرها في القلوب، ثم في أسرع وقت تنجلي هذه الحال وتنفرج الأزمة ويأتي النصر من قريب {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} ، [البقرة: 214] ، فعندئذ يصير لنصر الله وصدق موعوده من الوقع والبشارة والآثار العجيبة أمر كبير، لا يحصل بدون هذه الحالة، ولهذا قال: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ