يرشد الله عباده في كتابه من جهة العمل إلى قصر نظرهم على الحالة الحاضرة التي هم فيها، ومن جهة الترغيب في الأمر والترهيب من ضده إلى ما يترتب عليها من المصالح، ومن جهة النعم إلى النظر إلى ضدها.
وهذه القاعدة الجليلة دعا إليها القرآن في آيات عديدة، وهي من أعظم ما يدل على حكمة الله، ومن أعظم ما يرقى العاملين إلى كل خير ديني ودنيوي، فإن العامل إذا اشتغل بعمله الذي هو وظيفة وقته، فإن قصر فِكره وظاهره وباطنه عليه نجح، ويتم له الأمر بحسب حاله.
وإن نظر وتشوقت نفسه إلى أعمال أخرى لم يحن وقتها بعدُ فترت عزيمته، وانحلت همته وصار نظره إلى الأعمال الأخرى ينقص من إتقان عمله الحاضر وجمع الهمة عليه.
ثم إذا جاءت وظيفة العمل الآخر جاءه وقد ضعفت همته وقل نشاطه، وربما كان الثاني متوقفاً على الأول في حصوله أو تكميله، فيفوت الأول والثاني، بخلاف من جمع قلبه وقالبه، وصار أكبر همه هو القيام بعمله الذي هو وظيفة وقته؛ فإنه إذا جاء العمل الثاني فإذا هو قد استعد له بقوة ونشاط ويتلقاه بشوق، وصار قيامه بالأول معونة على قيامه بالثاني.
ومن هذا: قوله تعالى مصرحاً بهذا المعنى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} ، [النساء: من الآية77] ،.
فانظر كيف حالهم الأولى وأمنيتهم