المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مشاهدي الأعزاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم.
حديثنا في هذه الليلة سيكون عن أمر عظيم من أجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبعث الأنبياء، ووعظ الواعظون، ونصح الناصحون.
حديثنا عن أمر نفيس لا يحيد عنه إلا كل تعيس، عن نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد، وفاكهة نضيدة، وزوجة حسناء جملية، وحلل كثيرة في مقام عنه في خضرة ونعمة في دور عالية بهية تتراءى لأهلها كما يتراءى الكوكب الدري الغائر في الأفق.
قصورها عالية وأنهارها جارية وقطوفها دانية، أودعها الخالق ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وجلاها لعباده الصالحين حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ من عين البصر، وبشرهم بما أعد لهم فيها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهي خير البُشر على لسان خير البشر، شمر لها المشمرون، وتنافس لأجلها المتنافسون، وتسابق إليها المتسابقون.
الجنة هي موضوع حلقتنا هذه من برنامجكم (القطوف الدانية).
أسعد كثيراً باستضافة ضيفنا الدائم في هذه الحلقة فضيلة الشيخ: صالح بن عواد المغامسي عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالمدينة النبوية، نرحب بكم شيخ صالح وحياكم الله.
وكما تعلمون حفظكم الله أن هذا الموضوع طويل وقد لا يحصره وقت حلقتنا، ونريد أن نركز حديثنا عن الأشياء التي يستفيد الناس كثيراً من طرحها، لكن قبل أن أدخل في هذه المحاور أترك لكم المجال لافتتاح الحلقة ولإعطاء تصور واف وشاف بإذن الله عن الجنة.
الشيخ: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد: الجنة والنار في مذهب أهل السنة مخلوقتان الآن، لا تفنيان أبداً، هذا ظاهر كلام ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو الحق الذي ندين به.
والجنة: دار أعدها الله جل وعلا ثواباً لأهل طاعته وكرامة لأوليائه وخاصته، من يدخلها ينعم فلا يبأس، ويخلد فلا يموت، أهلها لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم، جعلها الله جل وعلا مستقراً لرحمته كما جعل النار مستقراً لغضبه، جعل لها تبارك وتعالى ثمانية أبواب ورد بذلك أحاديث صحاح، كما جعل للنار سبعة أبواب ونص على هذا القرآن: {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:44].
والجنة دار هي بغية كل مؤمن، من أجلها ترك الصالحون مضاجعهم وصاموا هواجرهم، ومن أجلها يغدو المؤمن إلى الجمع والجماعات، من أجلها تطيع المرأة ربها، وتحصن فرجها، وتبر زوجها، من أجلها يبر الرجل والديه، ويقوم بالسعي مع جيرانه وأهله في الخير، كل ذلك لا يبتغى بعده إلا أن يدخلهم الله جل وعلا الجنة، والرب تبارك وتعالى لا تصفو الدنيا إلا بذكره، ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه، ولا تطيب الجنة إلا برؤيته.
هي الدار التي جعلها الله جل وعلا وعداً على ألسنة رسله، قال تبارك وتعالى على لسان عباده المؤمنين: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} [آل عمران:194]، وقال جل وعلا: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا} [الفرقان:16].
وهي أعظم دار، وأجل مبتغى، لم يجعل الله جل وعلا فيها من نقص أي مكان ولا مقام فهي الخير المحض، كما أن النار عياذاً بالله هي الشر المحض، أما في الدنيا فما غلب خيره على شره فهو خير، وما غلب شره على خيره فهو شر، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها إنه ربي سميع مجيب.