المقدم: نريد أن نخرج من الكلام عن الثقافة الإسلامية إلى ثقافة غير المسلمين واعتقادهم في خروج آدم من الجنة، ونجعل اليهود والنصارى نموذجاً.
الشيخ: اليهود والنصارى يؤمنون بالجنة والنار، وقد نص القرآن على هذا: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة:111]، واليهود يزعمون أنهم يدخلون الجنة إلا أنهم يعذبون في النار أربعين يوماً بحجة أنهم عبدوا العجل في تلك الفترة، قال الله جل وعلا عنهم: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:80]، وهم يقولون: إن هذه الأيام المعدودة أربعون وهي مدة عبادتهم للعجل، أما غير ذلك فهم في الجنة.
أما قضية آدم في الثقافات الأخرى فالناس تؤمن بالأحداث التاريخية المتفق على أصلها كخروج آدم من الجنة، ولا أحد يعارض فيها من أهل الملل إلا الذين لا يؤمنون بالجنة أصلاً من الملاحدة، وهؤلاء قليل في التاريخ البشري.
نعود إلى هذه الثقافات: مثلاً: هناك قصيدة لشاعر إنجليزي، وهذه القصيدة اسمها: الفردوس المفقود، يقصد: الجنة، ومعنى (مفقود) أنه فقد، فقد، وذلك أن النصارى يرون أن الله جل وعلا حكم عدل -وهذا حق- قالوا: ومن عدله جل وعلا أنه لن يترك الناس من دون عقوبة بسبب أن آدم أخطأ قالوا: فبعث ابنه عيسى حتى يحرر الناس من خطيئتهم، فمن آمن بعيسى على أنه ابن لله شمله عفو الله عن تلك الخطيئة، ومن لم يؤمن بعيسى على أنه ابن لله لا يشمله ذلك العفو.
هذا دين النصارى في الأصل وهو محض كذب، قال الله جل وعلا: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم:89 - 90].
يصور الشاعر في الفردوس المفقود أن هناك صراعاً بين الشيطان وعصبته من الجن وما بين الملائكة على الجنة، وأنه تدخل عيسى في القضية.
والشعر الملحمي في العرف الأدبي وجميع الثقافات يعتمد على تخيل صراعات تقوم بين الملائكة وبين الشيطان، ويصور الشيطان في قوة شديدة حتى يجعل للحرب نوعاً من التوازن.
هذه الثقافات في قضية الجنة والخروج منها تتسع للمسلمين وغير المسلمين، مثلاً: الفرزدق الشاعر الأموي المعروف، تزوج من امرأة ثم طلقها فندم على طلاقه إياها فقال: ندمت ندامة الكسعى لما غدت مني مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار فهو يقول: إن فراقه لهذه الزوجة كفراق آدم للجنة باعتبار أن هذه جنته، طبعاً هذه المقاربة التي قالها الفرزدق يعني لا يصلح شرعاً.
والآن يعرض فيلم في صالات السينما العالمية اسمه: جنة لان، حسب المنظور المسيحي لكنه من وجهه محدودة والذي أعلمه أن الكنيسة رافضة للفكرة أصلاً، وترى أنه صورها بصورة غير صحيحة.
هناك رواية إلى الآن لم أقف على قراءتها لكنني وقفت على عنوانها لأحد المعاصرين السعوديين اسمها: رائحة الجنة، طبعاً نحن نرى أن الرواية في مجملها في فكرتها وفي ثنايها وقبل أن نذكر هذا قد يقول قائل: كيف حكمت عليها وأنت لم تقرأها؟ فأقول: لكني علمت الفكرة العامة لها وسمعت بعض مفردات من أبوابها.
إذا وجد من أخطأ في فهم السبيل إلى الجنة، فالذين هم قادرون على دحر ذلك الفهم الخاطئ هم العلماء الربانيون العالمون بالجنة، لكن إذا تدخلت ثقافات أخرى تجعل من الأخطاء التي تقع حولنا عقائد يكثر انحرافها وبعدها عن الصواب، ولا ينبغي أن تتخذ الجنة والغيبيات التي عظمها الشرع وشرائع الله عناوين لروايات أو لقصائد شعرية أو يراد بها مجاملة أحد أو رد على طائفة أو الانتقام من فئة، فإن دين الله أعظم من هذا.
وشوقي يقول: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي نحن قلنا مراراً من هذا المنبر وغيره: إن حب الوطن لا يتنافى مع الإيمان، بل إن الله قدم الوطن على الأهل والأبناء، لكن قول شوقي هذا باطل، ولذلك فالاستشهاد به من مدرسي الأدب أو الثقافة أو حتى الذين يكتبون عن الأوطان خطأ جداً، فالجنة لا يمكن أن تقارن بأي وطن، ومن يدخل الجنة لا يحن إلى شيء من الدنيا، هذه بعض المقاربات الثقافية في الجنة.