الملقي: أشرتم حفظكم الله إلى أن الحياة مراحل، هذه المراحل يمر على الإنسان فيها شخصيات كثيرة يكون لها تأثير كبير لاسيما في الناحية التعليمة، وكل منا قد مر بتجارب كثيرة مع معلميه، فهذا المعلم يستحق منا الوفاء بالدعاء له والتواصل معه وخدمته بشتى الطرق التي يمكن للإنسان أن يخدمه من خلالها، فما قولكم في ذلك؟ الشيخ: المعلم شخص مر علينا في أيام حياتنا فأعاننا على الوصول إلى ما قد وصلنا إليه، والسلف رحمة الله عليهم قدموا نماذج عظيمة في ذلك، يقول أبو حنيفة: ما مددت قدمي تجاه بيت حماد وإن بيني وبينه سبع سكك إجلالاً له.
وقال: والله ما صليت صلاة منذ أن مات حماد إلا ودعوت له مع والدي؛ براً بشيخي! وكذلك الإمام أحمد مع الشافعي رحمه الله.
فهذه طريقة وهي الدعاء للمعلم والشيخ.
وهناك طرائق أخر منها طريقة ابتكرها سيبويه، صاحب الكتاب المشهور، وكان من أشد مشايخه وأعظمهم الخليل بن أحمد الفراهيدي، فكان سيبويه إذا قال: (قال وزعم) وجد بالاستقصاء أنه يقصد الخليل بن أحمد فكان لا يذكر اسمه إجلالاً له، فيقول مثلاً: زعم يونس، قال فلان، ويذكر مشايخه الذين أخذ عنهم؛ لكنه إذا ذكر القول دون أن يذكر القائل أو ذكر الزعم دون أن يذكر القائل فإنما يقصد شيخه الخليل بن أحمد، وهذا من وفائه لشيخه، وفي الكتب المعاصرة وجدتها عند الشيخ محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي ابن صاحب أضواء البيان متع الله به، وهو شيخ فاضل في الجامعة الإسلامية في علم الأصول، ففي كتبه ورسالة الدكتوراه التي حققها في الأصول يتعرض لمذكرة أبيه الشيخ محمد الأمين، فالعلاقة بينهما علاقة والد وولد، ثم إن كلاً منهما مؤلف، فكان لا يقول: (قال محمد الأمين) ولا يقول: (قال المؤلف) بل يقول: قال الشيخ محمد الأمين.
وهذه تجمع بين البر الشرعي الذي أمرنا به وبين الوفاء للوالد، وهذه طريقة مكافأة المعلم، وقد نقل عن الأمين والمأمون أنهما قالا: من علمني حرفاً صرت له عبداً، وكانا بارين بالمعلم.
من صور الوفاء للمعلم ذكره وتمجيده في المحافل مواصلته وزيارته وتقبيل رأسه إذا رأيناه بين الناس حتى لو وصلنا إلى مستوى أعلى منه إما بدرجة أكاديمية أو بشهرة وأمثال ذلك، ومن لم يكن له خير مع معلميه فلا خير له مع غيرهما.
على أنه يدخل الحسد في الناس، كإنسان يطلب علماً عند أحد ثم يتعلم فيصيبه حسد على من علمه؛ لكن هذا لؤم لا يقع فيه إلا القليل.