فالعلم ضده الجهل الذي يعني عدم العلم؛ لأن الحلم كذلك ضده الجهل كما سيأتي.
والعلم بالشيء يساعد على حسن التصرف فيه، فإذا أحسنا التصرف في الأمر دل ذلك على الحكمة، فمثلاً أهل الدعوة يحتاجون للعلم الشرعي حتى يدعون إلى الله بالحكمة، ولهذا قرن الله جل وعلا بينهما فقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108]، وقال في آية أخرى -والقرآن يؤيد بعضه بعضا-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] أهل السياسة مثلاً من لم يكن له منهم باع علمي ومعرفة بالأحوال السياسية فإنه لا يمكن أن يتصرف تصرفاً صحيحاً، فلا بد من العلم حتى يكون الإنسان سياسياً موفقاً، والتاجر حتى يكون تاجراً حكيماً يستطيع أن يجلب الدينار والدرهم لنفسه لابد أن يكون على علم وبصيرة بوضع السوق، فالعلم مفتاح لكل ما نقصده، لكن كلما كان علم الإنسان شمولياً كان أقرب إلى الحكمة في تعامله مع الناس، وفي تجارته، وفي سياسته بحسب الموضع الذي هو فيه, فالحكمة ليست شيئاً أو صفة تحتاجها طائفة واحدة من الناس، فإن الزوج في تعامله مع زوجته يحتاج إلى الحكمة, ورب الأسرة في سياسته لأبنائه يحتاج إلى الحكمة، والداعية والخطيب في منبره ومحرابه، والسياسي في مكتبه، والتاجر في محله, كل أحد يحتاج إلى الحكمة؛ حتى لا يحكم على نفسه بالهلاك، وحتى يجني الثمار التي يريدها، والمؤمن في مسيرته إلى الله يحتاج إلى الحكمة، وأنا لا أحاول أن أستبق؛ لأن من الحكمة ألا ألقي بالأمور في أول اللقاء.
فكلنا نحتاج إلى الحكمة، فمادام الجميع يحتاج إلى الحكمة فنبدأ بالعلم الخاص في القضية نفسها، والعلم الشمولي العام أوسع من ذلك، ولا شك أنه إذا وجد العلم الشمولي مع العلم بجهة الاختصاص فإننا نصل جميعاً إلى ما نريد، وهذا معنى قولهم: إن العلم أول أركان الحكمة.
الملقي: كونه يا شيخ أول أركانها، هل يعني ذلك أنه لابد أن يكون العالم حكيماً؟ الشيخ: نعم لابد أن يكون العالم حكيماً، لكن ليس كل عالم حكيماً، فكم من الناس من حملوا في صدورهم العلم وحفظ المتون ولكنهم لم يرزقوا حكمة، فيشترط حتى يسمى عالماً بالكلمة الشاملة لابد أن يكون فيه حكمة، يقول الله: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43].