ثم أنعم الله على عبادِه بالهدايةِ إلى الإسلام، فأنار به سبيلاً ذاتِ معالمَ واضحة، وبدَّد به ما أَطْبَق من الظلمات، وأنزل عليهم كتابَه العزيز دليلا مرشدا، وقد حذّر به من اتباعِ السبلِ المتفرقة بما أقام من الحجةِ البالغة، فمن اعتصم به ظَفِر بعلم اليقين، ومن زاغ عنه فقد قطع على نفسه سبيلَ المعذرة إذ عرَّضها للمهانةِ والمذَمَّة.
فكان من أعظم النعم - بعد نعمة الهداية - ما منحَ الله تعالى من نَصْبِ الأدلة والأمارات التي بها يطمئن سالك الطريق، ويرجع بها الضالُّ والتائِهُ إلى جادة السبيل.
وكان أهمَّ ما هدى الله به إلى أحكامِ شريعتِه واتباعِ سبيلِه كتابُه العزيز الذي هو مرجع الأدلة ومعينها الذي لا ينضب، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي بينت الكتاب وأوضحته، ثم سبيل المؤمنين التي عليها أمرهم جميعا، فهي عصمة الشريعة وحصنُها المنيع، ثم رحم الله عبادَه بما فتح لهم من أبوابِ الاجتهادِ في الأدلة، وإن أوسعَ ما وقع من ذلك الاجتهادُ في الملماتِ النوازل بالنظر في ميزان القياس والاعتبار.
فالكتابُ والسنة والإجماعُ والقياس أهمُّ معالمِ السبيلِ وأحقُّ منارات الشريعة، وقد اهتم العلماء - رحمهم الله- بالأدلة الأربعةِ وغيرِها، فكانت مدارَ البحث في أصول الفقه وغيرِه من علوم الشريعة.
وأصلُ ما يبحث في الأدلة إثباتُها أدلةً يجب العملُ بها، وطُرُقاً يلزمُ