كما يلي: إن كل فراغ أيديولوجي لا تشغله أفكارنا، ينتظر أفكاراً منافية، معادية لنا.
فهذه هي القاعدة العامة ... والمتخصصون في الصراع الفكري يعرفونها كما يعرفون أبناءهم، ولكن يجب أن نضيف إلى ذلك أن أولئك الأخصائيين ليسوا مجرد مثقفين، يبحثون عن الحقيقة، لأنها حقيقة، ولكنهم يبحثون عن جانب التطبيق منها في مجال المصلحة السياسية، ولعلهم إذن لا ينتظرون وقوع الفراغ الأيديولوجي لاحتلاله، بل يصنعونه هم، وربما يشغلونه مؤقتاً بأفكار سواهم حتى تنتهي، في مرحلة أولى، عملية فصلنا عن أفكارنا بتلك الأفكار الفاصلة الوسيطة.
أجل، إن هذا المجال ليس المجال الذي يطبق فيه المبدأ المقرر تبعاً لخط مستقيم، مثل الهندسة، حيث النتيجة المنطقية تتبع مباشرةً التي قبلها، فالصراع الفكري يجري فيه منطقه الخاص، تبعاً لخط ملتو على العموم، بحيث يقتضي الانتقال من مرحلةٍ معينيةٍ إلى أخرى، إلى مراحل وسيطة تفرض منرجات ومنعطفات الطريق.
فالماركسية المزيفة مثلاً، التي تلقن إلى الجناح اليساري من شبابنا، ليست إلاَّ مرحلةً وسيطةً، تفصل طائفةً من شبابنا عن الجبهة الأيديولوجية الوطنية، لأن المشرف على عملية الفصل، لا يستطيع أن يقول لتلك الطائفة: نريد تخفيض حركة النمو في بلادكم، والحد منها، هل لم أن تعينونا على تشويه واستنقاص الأفكار والمثل التي تدعم هذه الحركة (?)؟ إن قولاً كهذا يكون قطعاً، صنفاً من الجنون والعبث لا نتصورهما في إبليس.