قال عز وجل: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:12 - 14].
ليس البدء والإعادة من صنع الناس، وإنما البدء والإعادة من فعله عز وجل، وهو {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16]، لا يكرهه أحد على شيء، ولا يمنعه أحد من شيء.
أعظم ما يتنعم به أهل الإيمان معرفتهم بأسماء الله وصفاته، وشعورهم بالحب والاختصاص بالمغفرة، فالله اختصهم بمغفرته، فهو الغفور لهم سبحانه وتعالى، الودود الذي يحبهم ويحبونه، ويستشعرون هذا المعنى أضعافاً مضاعفة حين يبذلون أنفسهم في سبيل الله عز وجل، ولا تظنوا أن من لم يجد طعاماً فجاع، أو من لم يجد شراباً نقياً فعطش، أو من لم يجد فراشاً هنيئاً فنام عليه أنه معذب، لا إنما المعذب من لم يعرف ربه عز وجل وإن نام على أوفر الفراش، وإن وجد ألذ طعام، وإن شرب أحلى شراب، لكنه غائب القلب عن الله سبحانه وتعالى، لم يعرف صفاته، ولم يحب ربه عز وجل، فهذا لا ينفعه ما تنعم به، فالله تعالى يقول: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14]، والمؤمنون يشعرون بهذا الود بينهم وبين ربهم سبحانه وتعالى، وأكثر ما يكون عندما يضحون في سبيله، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].
فهم يجدون الحب والود من الغفور الودود عندما يكونون أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وعندما يجاهدون في سبيل الله، وعندما لا يخافون في الله لومة لائم، وبهذا يصلون إلى حب الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:15]، وعرشه من علامات ملكه سبحانه وتعالى، وهو أعظم المخلوقات، ومن دلائل ملكه وعظمته، وهو المجيد عز وجل.
قال تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16]، فلا اعتراض لنا على فعله، بل يفعل ما يشاء، وله الحمد سبحانه وتعالى، ولا نعترض على الله، بل لا بد من حمده على ذلك، ورضانا عنه عز وجل رباً إلهاً لا خالق لنا سواه ولا مدبر لأمرنا غيره، ولا نتوكل على غيره ولا نخضع لغيره.