قال عز وجل: ((فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ))، أي: غرهما حتى قربهما إلى الشجرة وأكلا من الشجرة، وعند ذلك انكشفت العورة، قال عز وجل: ((فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)).
وضاع ذلك النعيم، فالمعصية تهتك الستر الذي بينك وبين الله وتكشف عورتك وسوأتك، فالإنسان عنده عورات ظاهرة، وعورات باطنة، فعوراته الظاهرة: عورات الجسد، وعوراته الباطنة: الظلم والجهل، فالمعاصي تكشف العورات والعياذ بالله؛ ولذلك فإن كشف العورات الظاهرة والباطنة من إرادة إبليس كما ذكرنا، قال: ((وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا)).
أي: جعلا يخصفان عليهما كهيئة الثوب من ورق الجنة، فيلصقان الورقة بالورقة للتستر، وهذه فطرة الإنسان في التستر، وهي فطرة سوية؛ ولذلك أمرنا الله بالتستر، والله حيي ستير يحب الستر سبحانه وتعالى، فنسأل الله أن يستر عوراتنا، وأن يؤامن روعاتنا.
قال عز وجل: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف:22] وانظر إلى البعد الذي حصل! كانا قبل ذلك قريبين، فقال: ((وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ))، لأنهما كانا قريبين من ربنا، فلما حصلت المعصية أصبحت: (تلكما) فـ (تلك) إشارة للبعيد، و (هذه) للقريب فلما عصوا ربنا بعدوا، فمن أول ما تحصل المعصية تجد أن قلبك يبتعد عن الله، نسأل الله العفو والعافية.
قال عز وجل: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [الأعراف:23] وانظر الفرق بين الإجابة والإجابة! فإبليس {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ} [الحجر:33]، و ((قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)).
أما آدم وزوجه فقالا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] فهذا كان بقدر، وكتبه الله عز وجل عليه قبل أن يخلقه بأربعين سنة، ومع ذلك عندما عوتب اعترف بالذنب، والاعتراف بالذنب بداية فتح باب التوبة، وفتح الخير للإنسان، وليعترف وليقل: أنا مذنب، أنا ظلمت نفسي؛ فالأبوان اعترفا بالذنب فغفر الله لهما، ومن شابه أباه فما ظلم، فإذا كنت تريد أن يغفر لك ربك، فقل: أنا مذنب! أنا مخطئ! أنا مقصر! وإذا كنت تريد أن تقول: إن ربي كتب علي أن أعمل المعاصي فأنت تبع للطريق الثانية والعياذ بالله، قال عز وجل: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف:24] فقوله: (اهبطوا) خطاب لآدم وحواء وإبليس، ويقال: الحية؛ على أنها هي التي أدخلت إبليس، ولا حاجة لنا إلى ذلك حيث لم يثبت في هذا حديث صحيح.
((بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)) فالعداوة مشتركة، وذرية آدم بعضها يعادي بعضاً حين تبعوا إبليس وصاروا أبالسة، فصاروا أعداء لبني البشر؛ ولذلك نقول: إن الكفرة أعداء البشرية، واليهود هؤلاء أعداء البشر؛ لأنهم صاروا أبالسة وتبعاً لإبليس الذي هو عدو لنا، قال تعالى: ((وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)).
ثم قال تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف:25]، فحياة الناس وموتهم في الأرض، ويخرجون منها يوم القيامة، ثم أمرنا الله عز وجل بالتستر، وامتن علينا باللباس وقال: ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا)) (ورياشاً) (وريشاً) وكله حق: وهو ما يتنعمون به ((وَلِبَاسُ التَّقْوَى))، وهذا ستار للعورة الباطنة، التقوى هذه عبارة عن علم وعدل، فالعلم ينافي الجهل، والعدل ينافي الظلم، والإنسان ظلوم جهول يولد عريان بلا علم ولا عدل، فإذا امتثل الشرع وفق للعلم والعدل فزال عنه الظلم والجهل فسترت عورته الباطنة، قال تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف:26 - 27].
وهذه فتنة عظيمة: وهي نزع الثياب، فاللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، قال عز وجل: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27]، فالأصل أن بني آدم لا يرون الشياطين من الجن: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:27]، ونعوذ بالله من ولايتهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.