قال عز وجل: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} [البروج:1 - 4].
أصحاب الأخدود هم الكفرة الذين حفروا الأخاديد؛ لكي تضرم فيها النيران؛ فيحرق بها المؤمنون، فالله عز وجل ذكر أن الذي قتل -أي: لعن- والذي خاب وخسر هم هؤلاء الكفرة، رغم أن النهاية التي وجدت فيما يبدو للناس انتهاء أهل الإيمان عن آخرهم، وقتلهم بذراريهم في ذلك الأخدود، قال بعض السلف: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} [البروج:4] بالفعل، وهو أن النار التي أحرقوا بها المؤمنين التفت عليهم حتى أحرقتهم وأهلكتهم بفضل الله سبحانه وتعالى.
فهم أحرقوا المؤمنين بالنار وما وجد المؤمنون من ذلك إلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجد الشهيد من ألم القتل إلا كمس القرصة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فما وجد المؤمنون ألم الحرق الهائل الذي تصوره هؤلاء الكفرة، وإنما قتلوا هم بها، ومنهم من فسر قتل بلعن أي: طردوا من رحمة الله.
فالنهاية الأكيدة: أنه قد زال ملكهم ولو بعد حين، أو مباشرة بعد تلك الوقعة.
قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} [البروج:4 - 7]، فهم مستحضرون جيداً بما يفعلونه، فلا يصح أن يقال: حدثت في غفلة أو حدثت في خطأ منا، ولم نكن ندري أن هذا سيصيبهم، إنما أصبناهم بطريق الخطأ مثلاً، لا، بل هم شهود على ما يفعلون، يعلمون جيداً ما يفعلون بالمؤمنين.
قال تعالى: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:7 - 8] أي: ما كان ذنب المؤمنين إلا أن آمنوا بالله العزيز الحميد، فالمسألة واضحة ولم يكن هناك أدنى تهمة، فالمؤمنون لم يقتلوا أحداً ولم يسفكوا دم أحد، ولم يجرحوا إنساناً من هؤلاء الكفرة، وإنما كان ذنبهم عند الكفرة أنهم آمنوا بالله!