وفي هذه القصة معنى آخر، وهو: أن لوطاً عليه السلام لم يؤمن به من قومه رجل واحد، كما دلت عليه الآيات، كقوله تعالى حاكياً عنه: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:78]، وهذا المعنى يجب أن يضعه الدعاة إلى الله والمؤمنون في كل وقت في الحسبان، فعلينا أن نعمل بما أمر الله، ونلتزم بشرعه، ولو لم يستجب لنا أحد، كما قال عز وجل عن لوط في خطابه لقومه: ((أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ))، فلم يؤمن به رجل واحد، وليس منهم رجل رشيد، وهذا يدلنا على قلة من استجاب للأنبياء، وثمرة هذا العلم ألا نحزن للقلة، وألا نغتر بالكثرة، بل نعمل بما أمرنا به، ولو لم يؤمن أحد، فلم يؤمن بلوط إلا بناته، ولم يؤمن به بيت واحد في القرية كلها، وكانوا فيما ذكر أهل السير نحو أربعة آلاف ألف، أي: أربعة ملايين، وآثارهم الباقية تدل على أنهم كانوا ذوي حضارة، وبعض الناس يقول: وكأن انفجاراً نووياً قد حدث، وشيئاً هائلاً قد دمر هذه القرى، وقرى سدوم بقرب البحر الميت، وهذا يدلنا على شدة عنادهم، وأنه لم يستجب منهم أحد، ولم يؤمن بلوط إلا بناته، فسبحان الله! فلابد أن يعد الداعي إلى الله عز وجل عدته لذلك، وأن يعمل لله سبحانه وتعالى، ولو لم يستجب له أحد، ولو لم يقبل دعوته أحد، فإن الله يغير وجه العالم بالقلة لا بالكثرة، والله يمكن للحق الذي تكون عليه الطائفة المؤمنة لا بكثرة عددها، ولا قوة عتادها، ولكن بقوة إيمانها واستقرار الإيمان وثباته في القلب، وبذلك لا بد من العمل دون النظر إلى النتائج، فهي بإذن الله، وليس علينا أن نحدد النتائج، ولنا أسوة في أنبياء الله الذين لم يستجب لهم أحد، فلنعمل ولنترك النتائج إلى الله سبحانه وتعالى.