قال: ((قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا)) أي: لا يعلم ذلك إلا هو ومن أطلعه عليه من خلقه، وهذا الذي قلناه عليه غير واحد من علماء التفسير كـ مجاهد وغير واحد من السلف والخلف.
وقال قتادة في قوله: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف:25]: هذا قول أهل الكتاب وقد رده الله تعالى بقوله: ((قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا)) قال: وفي قراءة عبد الله وقالوا: (ولبثوا) يعني: أنه قاله الناس، وهكذا قال قتادة ومطرف بن عبد الله، وفي هذا الذي زعمه قتادة نظر، فإن الذي بأيدي أهل الكتاب: أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة من غير تسع، يعنون بذلك الشمسية، ولو كان الله قد حكى قولهم لما قال: ((وَازْدَادُوا تِسْعًا))، والظاهر من الآية أنما هو إخبار من الله لا حكاية عنهم.
يعني: أن قول أهل الكتاب قول باطل، والصحيح أن القرآن أثبت أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، ولو كانوا قالوا ذلك لكان إثباتاً لقولنا: إن القرآن سكت عليه، وذكر هذا لأجل أن الناس سوف يجادلون في مدة بقائهم، فيقولون: إنهم بقوا ثلاثمائة سنة فقط، فقال الله: ((قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا)).
فكما ذكرنا كان هذا بياناً واضحاً شافياً بما يسعد به أهل الإيمان على الدوام، فإذا ناظرك أحد وأنت عندك علم من الله فقل لهم: الله أعلم منكم، فلا تجادلوا في أمر نزل فيه وحي.
يقول: والظاهر من الآية إنما هو إخبار من الله لا حكاية عنهم، وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله، ورواية قتادة قراءة ابن مسعود منقطعة، ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتج بها، والله أعلم.
والقراءة الشاذة لا يحتج بها لا في التلاوة ولا في الحكم ولا في التفسير؛ لأنها شاذة منقطعة بلا سند صحيح، فلا فائدة منها، ولا يمكن أن يحتج بها.
قال تعالى: ((أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ)) أي: إنه لبصير بهم سميع لهم، أي: ما أسمعه وما أبصره عز وجل! (أبصر به) يعني ما أبصره.
(أسمع به) يعني: ما أسمعه، فما أعظم سماع الرب سبحانه وتعالى، وما أعظم بصر الرب تعالى! قال ابن جرير: وذلك في معنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه، وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكل موجود، وأسمعه لكل مسموع، لا يخفى عليه من ذلك شيء.
تقول: ما أعظم هذا، يعني: هذا شيء عظيم جداً، ويمكن أن تقول: أعظم به، مثل أنعم به وأكرم.
قال: ثم روى قتادة في قوله: ((أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ)) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع.
قال ابن زيد: ((أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ)) يرى أعمالهم ويسمع ذلك منهم سميعاً بصيراً.
وقوله: ((مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) أي: أنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر، الذي لا معقب لحكمه، وليس له وزير ولا نصير، ولا شريك ولا مشير تعالى وتقدس.