ذم استفتاء الجهال ومماراتهم

ثمرة الخلاف في ذلك قليلة، ولذا قال: ((فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا)) لا فائدة من المناظرة في مسائل لا سبيل إلى البحث فيها إلا من خلال الوحي، ومن قبل الوحي انقطع عن الكلام، ومن أباه لا ينبغي أن يعارض، ولا ينبغي أن يضيع الوقت معه، ولا ينبغي أن يمارى أو أن يستفتى، وذلك لجهله وضلاله وانحرافه عن الحق، فكيف نستفتيه؟! ولذلك قال عز وجل: ((فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا))، وهذا دليل على النهي عن استفتاء الجاهل، وأنه لا يجوز أن يستفتى، وهذا بإجماع أهل العلم: أنه لا يجوز لأحد من المستفتين أن يستفتي من يعلم جهله أو بدعته أو فسقه، قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]، ورتب الذنوب مبتدئاً بتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق، أي: أن الذنب الذي فيه اعتداء على حقوق المخلوقين أشد وأبعد عن المغفرة حتى يسامح ذلك المخلوق، ثم ذكر الشرك، ثم ذكر أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، ولذا كان هذا من أعظم الخطر، ومن يفتي في دين الله سبحانه وتعالى بما لا يعلم فإنه داخل في هذا الوعيد، وإن كان لا يلزم أن يكون مستوياً مع المشركين، لكنه قد شابههم في بعض فعلهم فاستحق جزءاً من جزائهم.

والذي يرى أن من حقه أن يشرع للناس ديناً وعبادات، أو يرى ذلك حقاً لغيره وينسبها إلى الله عز وجل، ويجعل ذلك ضمن الدين الذي شرعه الله؛ فهذا هو الشرك الأكبر الذي عليه كثير من الناس -والعياذ بالله- حيث يجعلون الدين حقاً للناس لهم أن يقولوا فيه ما يشاءون بغير دليل ولا حجة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015