عدم إدراك الإنسان مدة بقائه في قبره وفي غيبوبته وغير ذلك

قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} [الكهف:19] أي: في مدة لبثهم يتساءلوا كم لبثوا؟ {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ} [الكهف:19] وكأنه لما نظر إلى أشكالهم وقد كانت كما ذكر الله عز وجل مرعبة، فقد ذكروا أنهم كانوا طويلي الأشعار والأظفار، فدل ذلك على أنهم لبثوا مدة طويلة، قالوا: {كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف:19]، لأن الإنسان مهما طالت رقدته فإنه لا يشعر كم استغرق في نومه إلا يوماً أو بعض يوم مهما طال زمن نومه، وكذا أثناء موته، فالمرء يرى في المنام أحداثاً كأنها طويلة جداً، وكما ذكر أهل العلم والطب أنَّ وقت المنام لا يتجاوز الثواني ويكون الإنسان قد رأى قصة طويلة، ويعرف ذلك بواسطة تسجيل ذبذبات المخ أثناء النوم فسبحان الله!.

ويمكن للإنسان أن يتغير كثيراً جداً أثناء نومه، وكذلك من حصلت لهم غيبوبة فإنهم لا يدرون بعد استيقاظهم كم بقوا في هذه الغيبوبة إلا ما تعودوا عليه يوماً أو بعض يوم، بل والميت إذا استيقظ فإنه يقول ذلك أيضاً، قال عز وجل: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:112 - 114].

وقال سبحانه وتعالى: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} [طه:102 - 104].

وهذا له محمل على مدة بقائهم في الدنيا، أو مدة بقائهم في القبور، وهذا أظهر في مثل هذا الموضع، والله أعلم، ويمكن أن يكون قوله: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112] مشتملاً على الاحتمالين، وفي مواضع أخرى لا يحتمل إلا مدة البقاء في القبور، كقوله سبحانه وتعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الروم:56].

فهذا ظاهر جداً في أنها مدة البقاء في القبور، فالناس إذا استيقظوا في القيامة كأنهم استيقظوا من النوم، قال صلى الله عليه وسلم: (لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور).

وهذه من آيات الله سبحانه وتعالى، ولذلك فالقيامة قريبة جداً، قال الله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]، وقال عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1].

فلا تظن أن القيامة بعيدة بل هي قريبة، وما أخبر الله عز وجل به يوشك بعد رحيلك عن هذه الدنيا أن يأتيك بغتة، كما قال عز وجل: {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف:187].

لذلك على العبد أن يتعظ ويتذكر، وأن يشعر بمرور الأيام والسنين ما زال على ظهر هذه الأرض.

ومن آيات الله سبحانه وتعالى شعور الإنسان بالزمن شعوراً لا يحصل له إلا في حدود مقدرة ولا يدرك كثيراً جداً قبل ذلك، كما أنك لا تدرك شيئاً عن وقت بقائك جنيناً في بطن أمك ولا ما جرى لك في سنواتك الأولى، ولو قيل لك: أنت ولدت منذ عشرين سنة، أو ثلاثين سنة لما استعطت أن تقول: بل كان غير ذلك، وأما كم مضى عليك قبل ذلك فالله عز وجل هو الذي يعلم، وأخبروك بذلك وأنت لا تشعر به.

إذاً: فعلى العبد أن يستعد للقاء الله سبحانه وتعالى قبل أن يأتيه الموت، وأما فترة البرزخ فهي كالطيف، أو حلم نائم، وإن كان يرى فيه نعيماً أو عذاباً وهو حق، ولكن سرعان ما يستيقظ الإنسان منه، ويبعث كأنه مات بالأمس، وهو يحسب نفسه قريب عهد بأهله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015