أهمية دور الشباب في نصرة هذا الدين

وقوله سبحانه وتعالى: ((إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ))، فهم فتية شبان كما سيأتي بيانهم إن شاء الله قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} [الكهف:13]: من ههنا شرع في بسط القصة وشرحها فذكر تعالى أنهم فتية، وهم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شباباً، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلا القليل، وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شباباً.

قال مجاهد: بلغني أنه كان في آذان بعضهم القرطة يعني: الحلق، حيث كانوا صبياناً أو شباباً في أول نشأتهم، وكان من عادتهم في ذلك الزمان أن صغار السن يجعلون الحلق في آذانهم كالنساء.

فيقول: فألهمهم الله رشدهم، وآتاهم تقواهم، فآمنوا بربهم أي: اعترفوا له بالوحدانية وشهدوا أنه لا إله إلا هو ((وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)).

الغرض المقصود من هذه الكلمة: أنهم فتية شباب، وهذا يدلنا على أهمية دور الشباب، وأن الشباب هم وقود هذه الدعوة، وليسوا يحترقون ليتقدم، وإنما يستضيئون بضوئها؛ لكي تستمر وهم يسيرون بها بإذن الله تبارك وتعالى، وهم المحركون دائماً للدعوة، والجهاد والبذل، والتضحية في سبيل الله سبحانه وتعالى، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثرهم شباباً، ويوم بعاث كان يوماً قدمه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ذلك اليوم الذي اقتتل فيه الأوس والخزرج حتى فني أكثر شيوخ القبيلتين الذين ماتوا على الشرك والله تعالى أعلى وأعلم؛ لأنهم لو بقوا لكان الموقف نفس موقف مشايخ قريش، ومثل موقف من بقي من هؤلاء المشايخ؛ كـ عبد الله بن أبي بن سلول الذي صار رأساً للنفاق حقداً وحسداً؛ لأنه كان يريد أن يتوج، فصارت الرئاسة والإمامة في الأوس والخزرج للشباب الذين سرعان ما استجابوا بفضل الله سبحانه وتعالى لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والشباب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين قاموا بواجب الدعوة إلى الله، وبواجب الجهاد، وهذا أمر ملحوظ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد رغب في من نشأ في عبادة الله شاباً وقال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله)، ففترة الشباب فترة عظيمة الخطر فإما الانحراف وإما الاهتداء، وزيادة الهدى من الله سبحانه وتعالى، وقبول الدعوة فيها عظيم، كما أن الانحراف فيها كذلك خطير، فلذلك لا بد من الاهتمام بالشباب، ولا بد أن يهتم الشباب بأنفسهم، ويعلموا القدوة الحسنة من الشباب، فاليوم ينبغي أن يكون هؤلاء الفتية هم قدوتهم، ومن كانوا على الإيمان مثلهم من أصحاب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

قال الله عز وجل عن موسى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس:83]، فما آمن من المسلمين في زمن موسى إلا ذرية قلة من الشباب الذين آمنوا من أهل مصر، فآمنوا بموسى صلى الله عليه وسلم على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم، والذي يظهر أن عامة بني إسرائيل آمنوا، لكن هل الذين آمنوا من أهل مصر كانوا من الشباب؟ ولذلك نقول: يجب أن تكون الأسوة لشبابنا دائماً هم هؤلاء المؤمنون الذين ضحوا في سبيل الله سبحانه وتعالى، أما أن يكون الأسوة للشباب هم الفسقة والفجرة، وأصحاب المناصب والأموال، وأسوأ من ذلك المغنين والممثلين ولاعبي الكرة وغير ذلك فهذا مما تربأ به نفوس من هيأهم الله سبحانه وتعالى للمنازل العالية، فيربئوا بأنفسهم أن يرعوا مع الهمل والعياذ بالله! فأقبح شيء أن يكون هم الإنسان هذا الحطام الفاني، وأن تكون قدوته في الحياة من جمع هذا الحطام الفاني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015