فهذا الملك أخذ جليسه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، وفي هذا دليل على سقوط الإثم على المعذب والمكره إذا دل على غيره من الدعاة أو الملتزمين الصادقين، وإن كان ذلك سبباً لتعرضهم لما يتعرض له، لكن التعذيب ربما كان أشد من القتل، فسنرى كيف صبر هذا الرجل على القتل نشراً بالمناشير، ولم يصبر عن الاعتراف عن الغلام الذي علمه هذا الدين؛ بسبب العذاب.
كما أن هذا الغلام أيضاً -وهو من أولياء الله الصالحين- لم يصبر على العذاب، وصبر على القتل، فإنه تحمل في سبيل دعوته أعظم التحمل، ولم يصبر على التعذيب، فلا يجوز أن يلام إنسان ناله من هذا العذاب شيء على ما قاله ولا ما أخبر به، ولا يعد ذلك نقصاً في الإيمان، ولا خللاً في التربية، كما وقع في هذه القصة، ولكن لا بد أن يصيبه ذلك، ولا شك أنه لم يدل عليه من أول مرة، بل قال: (أخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب)، إذاً: فهذا يدل على أنه بقي مدة طويلة في هذا التعذيب.
فدل هذا الغلام على الراهب وأخبر عنه، فلا عتاب في ذلك، ومن صبر فله الأجر العظيم، ونسأل الله العافية!