قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وكان في طريقه الذي سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه)، نفهم من هذه القصة، ومن هذا الجزء أن زمن القصة كان بعد المسيح؛ لأن الرهبانية إنما عرفت فيهم، لكن هذا الراهب كان من الموحدين، كما ظهر جلياً من القصة، فهو من أهل الإيمان والتوحيد، لا من أهل التفريط والكفران وعباد الصلبان، فهو أحد غبر أهل الكتاب الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا غبرات من أهل الكتاب، إلا بقايا من أهل الكتاب)، وكان منهم كذلك سلمان رضي الله تعالى عنه، فإنه قد تلقى دعوة التوحيد على أيدي بعض هؤلاء الرهبان، وذلك قبل أن يأتي إلى المدينة ليدرك النبي الذي قد أطل في زمنه رضي الله تعالى عنه، وهذا يدلنا على أن أتباع المسيح لم يزل فيهم موحدون مؤمنون إلى زمن البعثة النبوية، رغم انتشار الوثنية وتأليه المسيح بعد الاجتماع الذي وقع في المائة الرابعة من ميلاد المسيح، والذي عقده قسطنطين -باني القسطنطينية- لما دخل في النصرانية، وعقده لتقرير مسألة ألوهية المسيح، كما يذكر ذلك مؤرخوهم، فكان التفرق والاختلاف، ونصر -خذله الله وأخزاه- قول القلة القائلة بألوهية المسيح، ونشر هذا الكفر على أنه دين المسيح، والمسيح وسائر الرسل منه برآء، فإن المسيح لم يأت إلا بالتوحيد، كما قال تعالى حاكياً عنه: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:117].
ورغم انتشار مذهب التثليث والشرك بين النصارى منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا، إلا أنه قد كان هناك بقايا من الموحدين في ذلك العهد، أمثال هذا الراهب في قصتنا.