اختار الساحر الغلام، فأراد من هو في سن التنشئة وفي سن التربية، يهتم بالصغير لكي يتلقن جيداً، ولذلك فإنه لم يطلب رجلاً كبيراً، وإنما طلب من يتشرب السحر منذ نعومة أظفاره، ليكون بعد ذلك ساحراً ماهراً يحقق للملك ما يريد.
وأعداء الإسلام فعلوا مثل ذلك عندما احتلوا بلاد المسلمين، فأول ما اهتموا به هو أن يأخذوا أجيالاً من غلمان المسلمين وأبنائهم، ينشئوهم في مجتمعاتهم، وفي مدارسهم، وخصوصاً الأذكياء منهم، ويلقنونهم أنواع زخرفهم وسحرهم الذي ذكرنا أنه من أخطر أنواع السحر؛ سحر البيان، وبالفعل كان هؤلاء الذين ربوا على أيدي الأعداء هم الخنجر في قلب الأمة، فهم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا وصاروا دعاة على أبواب جهنم، كما بين النبي عليه الصلاة والسلام، وأصبحوا هم أشق وأصعب أنواع الأعداء، هؤلاء هم المنافقون الذين تربوا منذ البداية على الولاء لأعداء الدين، لذلك نقول: يجب أن نعرف حقيقة أعداء الإسلام حين يهتمون بإفساد أبناء المسلمين منذ صغرهم، وتربيتهم على معاني الولاء لغير دين الله عز وجل، ولذلك يهتمون جداً بحذف كل ما يشير إليهم من مناهج التنشئة والتربية، لكي ينشأ هؤلاء الأبناء بغير قضية يعرفونها، فأين المسلمون من تربية أبنائهم؟ الأعداء يهتمون هذا الاهتمام بتربية الأبناء على مناهج الفساد، فأين المسلمون من تنشئة أبنائهم على دين الله عز وجل؟ وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم وعلمهم أنواع التربية كلها بعد بيان القرآن، فنحن نسمع في كتاب الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، فهذه هي التربية العقائدية، وكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبته الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، هذا الكلام فيه توحيد، وفيه إيمان بالقدر، وفيه إيمان بالجزاء، وفيه سائر أنواع الإيمان، فقد دل عليها هذا الحديث باللزوم.
والتربية العبادية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، وهي أيضاً تربية أخلاقية بالتفريق بينهم في المضاجع.
والتربية على الآداب السامية، كما قال عليه الصلاة والسلام: (يا غلام! سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك).
والتربية على الدعوة إلى الله عز وجل -التربية الدعوية- كما قال تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:17]، وكل أنواع التربية -التي تنشئ الشخص المسلم المتكامل الشخصية- مبثوثة في كتاب الله، وفي سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلابد لنا أن نقوم بهذا الدور المهم الذي يرتكز على قلع أشجار الباطل، وحماية أبناء المسلمين منها، وغرس أشجار الحق في قلوب طلائع أمتنا وصغارها.