وكانوا يَقومونَ على رعايتِها وحمايتِها وحراستِها، ويُهَيِّئونَ لها جَوَّ العبادةِ، في المكانِ القَصِيّ الشرقي، الذي اختارَتْه شرقى مكانِ إِقامةِ أَهْلها، والذي كانت تتخذُ فيه من دونِهم حجاباً.
فهي لم تكنْ بعيدةً عن عُيونِ وحمايةِ أَهْلِها، ولم تكنْ فتاةً وحيدةً في
مكانٍ بعيد، عرضَةً للخطرِ والأَذى، إِنما كانَ أَهْلُها حارِسينَ لها مُحافظينَ
عليها.
ولم يُحَدِّد القرآنُ - ولا الحديثُ الصحيح - المدينةَ التي كانَتْ تُقيمُ فيها
مريمُ عابدةً لله، ولم يُحَدِّد المكانَ الشرقيَّ الذي كانتْ تعتزلُ فيه لعبادةِ الله،
ولم يُحدد المدةَ التي أَقامَتْها في ذلك المكان.
كلُّ هذا من مبهماتِ القرآن التي لم يَرِدْ بيانا لها في مصادرِنا الإِسلامية..
أَما ما قالَه الفادي من أَنَّ مريمَ كانتْ تُقيمُ في الناصرة، في شمالِ
فلسطين، فهذا مما نتوقَّفُ فيه، فلا نُكَذِّبُه ولا نُصَدِّقُه، لعدمِ ورودِ دليلٍ عليه عندنا..
كذلك نتوقَّفُ في ادِّعائِهِ أَنَّ مريمَ - عليها السلام - كانتْ مخطوبةً ليوسفَ النجار!!.
***
أَخبرَنا اللهُ أَنه بَعدما نفخَ جبريلُ في مريمَ - عليها السلام -، حَمَلَتْ بعيسى - عليه السلام -، وابتعدَتْ عن أَهْلِها مكاناً قصيّاً، وهُناكَ وَضَعَتْ وَليدَها تحتَ نَخْلَة، وأَنَّ اللهَ أَنطقَه وهو في الدقائقِ الأُولى من عمرِه، وأَرشدَها إِلى التصرفِ المناسب.
قال تعالىْ (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) .