فالآياتُ المكيةُ تأمر بالسلمِ وحسنِ الكلامِ والدعوة، وتَنهى عن الإِيذاءِ والعنفِ والقَتْل، والآياتُ المدنيةُ تنسخُ هذا المنهج، وتضعُ مكانَه الأَمْرَ بالعنفِ والقَتْلِ والحربِ وسفكِ الدّماء.
وهذا الادّعاءُ يدلُّ على جَهْلِه، وقد أَورد هو آيةً مدنيةً لا تأمرُ بالقتْلِ
والعنفِ - على حَدِّ تعبيره - وهي قولُه تعالى: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) .
ونهى اللهُ عن الإِكراهِ في الدين في سورة البقرةِ المدنية.
قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) .
لم يُغَيِّرْ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منهجَه في الدعوة، بينَ الفترةِ المكيةِ والفترةِ المدنية، ولم تَنسخْ آياتُ الجهادِ والقتالِ آياتِ البلاغِ المكية، ولا تَعارُضَ بين هذه الآيات!!
إِنَّ الأَمْرَ بالدعوةِ والبَلاغِ المبينِ مستمرٌّ في المدينة، والآياتُ المدنيةُ تَنهى عن الإِكراهِ في الدين، كما هو واضحٌ في آيتي البقرةِ وآلِ عمران اللتَيْن أَوردْناهما، ومعناهما مستمرٌّ حتى قيامِ الساعة، لم يُنسخْ ولم يُغَيَّرْ ولم
يُبَدَّلْ.
وآياتُ الجهادِ والقتالِ مستمرةٌ أَيضاً حتى قيامِ الساعة، والجهادُ موجَّهٌ
للذين يَقفون أَمامَ هذا الدين، بهدفِ إِبطالِ مخططاتِهمِ ضدَّ الإِسلام،
والقتالُ موجَّهٌ للأَعداء الذين يُحاربون الدعاة، ويمنعونهم من واجبِ
التبليغ، وهو بهدفِ تحطيمِ القوةِ المادية الكافرة، التي تَفتنُ الناسَ،
وتمنعُهم من اعتناقِ الإِسلامِ عن قناعَة، وليس بهدفِ إِكراهِ الناسِ على
اعتناق الإِسلام.
وبهذا نعرفُ أَنه لا تَعارضَ بين آياتِ الدعوةِ والبلاغِ والنهيِ عن
الإِيذاءِ والإِكراه، وآياتِ الأَمْرِ بالجهادِ والقتال؟
لأَنَّ كُلَّ آياتٍ تُنَزَّلُ على حالةٍ خاصة.