ووقفَ أَمامَ قولِ الله - عز وجل - (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (?) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) (?) ، وقول الله - عز وجل -: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) .
وقول الله - عز وجل - (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) .
وقد أَخَذَ الفادي المجرمُ هذه الآيات ِ على ظاهِرِها، وجَعَلَها إِدانةً
للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وشاهِدَةً على أَنه يُذنبُ ويُخطئُ ويَعصي.
وقالَ مُعَلّقاً عليها: " ونحنُ نسأَلُ: هل يَصِحُّ الادِّعاءُ أَنه شَفيعٌ وهو نفسُه
من المتفقِ عليه عند المسلمين أَنَّ اللهَ عَصَمَ رُسُلَه وأَنبياءَه من الوقوعِ في
الذنوبِ والمعاصي، ولم يَجعلْ سُلْطاناً للشيطانِ على أَحَدٍ منهم، فلم يَصْدُرْ
من أَحَدٍ منهم معصيةٌ أَو ذَنْب.
وعلى أَساسِ هذه الحقيقةِ نفهمُ الآياتِ السابقة، التي يَدْعو اللهُ فيها رسولَه - صلى الله عليه وسلم - إِلى الاستغفارِ لذنبه.
ذَنْبُ الرسولِ - عليه السلام - ليس ذَنْباً حقيقياً، قائماً على فعلِ المعصية، وإِنما هو ذنبٌ معنوي يَقومُ على نوعٍ من تَرْكِ الأَوْلى، والسهوِ والغفلةِ والنسيان، الذي لا يُؤَدّي إِلى تَرْكِ واجبٍ أَو فعْلِ مُحَرَّم.
قد يفعلُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - خِلافَ الأَوْلى، فيعاتبُه الله، وقد يَمُرُّ بحالةٍ من السهوِ اليسير أو الغفلةِ البسيطة، فيتداركُه الله، وهذا نوعٌ من التقصير، يَستدعي أَنْ يستغفرَ اللهَ منه، ليبقى - صلى الله عليه وسلم - في كاملِ تَأَلُّقِهِ وارتقائِه.
وقديماً قيل: حَسناتُ الأَبرارِ سيئاتُ المقرَّبين.
إِنَ استغفارَ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - وتوبتَه نوعٌ من أَنواعِ ذكْرِه لله، وعلى هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنّه ليُغانُ على قلبي فأَتوبُ إِلى الله وأستغفرُه في اليومِ مئة مَرَّة ".
استغفارُه للهِ صورةٌ من صُوَرِ ذِكْرِه وشُكْرِه له.