الأَسئلةُ التي يُثيرُها الفادي هنا وجيهةٌ ومَعْقُولة، نحنُ معه في إِثارتِها،

ولكنَّها لا تُوَجَّهُ إِلى القرآنِ في حديثِه عن موتِ سليمانَ - عليه السلام -، وإنما تُوَجَّهُ إِلى تلك الأَسطورةِ، التي صَوَّرَتْ موتَ سليمانَ - عليه السلام - بهذه الصورةِ غير المعقولة، والتي يرفضُها كُلُّ عاقل.

إِنَّ هذه الأَسطورةَ التي أَخَذَها الفادي من تفسيرِ البيضاوي، والتي أَخذَها

البيضاويُّ من بعضِ التفاسيرِ السابقة، التي لا تَتَحَرّى الصحةَ فيما تُورده، هذه الأَسطورةُ مرفوضةٌ عندنا لأَنها لم تَصحّ عن رسولِ الله - عليه السلام -، ولا عن أصحابِه الكرام.

وقد سبقَ أَنْ قَرَّرْنا أَن قَصصَ السابقين لا تُؤْخَذُ تفاصيلُها إِلّا من آياتِ

القرآنِ الصريحة، وأَحاديثِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة.

والمشكلةُ عندَ الفادي المفترِي هي جهْلُه، فهو يَعتمدُ كَلاماً غيرَ مقبولٍ

عندَ العلماء والمحققين، ثم يُحَمِّلُ القرآنَ تِبعتَه، ويُخَطِّئُ القرآنَ بسببِه، مع أَنَّ القرآنَ لم يَقُلْه، وبذلك تتهاوى أَسئلةُ الفادي الجاهل.

إِنَّ القرآنَ لا يتحمَّلُ إِلّا ما يذكُرُه هو في آياتِه، وما يَذكُرُه لا خَطَأَ فيه

ولا اعتراضَ عليه، أَمّا الفهمُ البشريُّ لآياتِه الذي صَدَرَ عن المفَسِّرين فلا

يتحمَّلُه القرآن، لأَنَّ هذا الفهمَ البشريَّ قد يكونُ خاطئاً!.

لا بُدَّ أَنْ نفهمَ الآية التي تحدَّثَتْ عن موتِ سليمانَ - عليه السلام - فَهْماً - صحيحاً، لا سيما أَنه لا يوجَدُ عندنا حديثٌ صحيحٌ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُضيفُ جَدِيداً إِلى ما ذَكَرَتْه الآيَة.

أَرادَ اللهُ أَنْ يَجعلَ موتَ سليمانَ - عليه السلام - آيةً وعبرةً للإِنسِ والجِنّ، ودَليلاً على عدمِ عِلْمِهم بالغيب، لأَنَّ عِلْمَ الغيبِ خاصّ باللهِ سبحانه..

فقد كانَ سليمانُ - عليه السلام - يَحكمُ الإِنْس والجِنَّ والطير، وكانَ يُسَخِّرُ الجِنَّ في الأَعمالِ الكبيرة، وكان مَلِكاً حازماً يَهابُهُْ الذين يَعملونَ عنده من الإِنْسِ والجِنّ.

ولما حانَ أَجَلُ سليمانَ - عليه السلام -، كان الجنُّ يَعملونَ بينَ يَدَيْه، وكانَ هو واقفاً أَمامَهم، مُتَّكِئاً على عصاه، يُراقِبُهم ويَضبطُهم، وهم يَنْشَطونَ في العمل، ولا يَرْفَعونَ رؤوسهم ناظِرينَ إِليه هيبةً له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015