بذلك التوجيه الإلهي وبهذا الهدي النبوي كان الميلاد للبشرية على هذا النحو الفريد. ونشأ المجتمع الرباني الذي يتلقى قيمه وموازينه من السماء، طليقا من قيود الأرض، بينما هو يعيش على الأرض .. وكانت هذه هي المعجزة الكبرى للإسلام. المعجزة التي لا تتحقق إلا بإرادة إله، وبعمل رسول. والتي تدل بذاتها على أن هذا الدين من عند اللّه، وأن الذي جاء به للناس رسول!

وكان من تدبير اللّه لهذا الأمر أن يليه بعد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - صاحبه الأول أبو بكر، وصاحبه الثاني عمر .. أقرب اثنين لإدراك طبيعة هذا الأمر، وأشد اثنين انطباعا بهدي رسول اللّه، وأعمق اثنين حبا لرسول اللّه، وحرصا على تتبع مواضع حبه ومواقع خطاه.

حفظ أبو بكر - رضي اللّه عنه - عن صاحبه - صلى الله عليه وسلم - ما أراده في أمر أسامة. فكان أول عمل له بعد توليه الخلافة هو إنفاذه بعث أسامة، على رأس الجيش الذي أعده رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وسار يودعه بنفسه إلى ظاهر المدينة. وعن الحسن بن أبي الحسن البصري، قال:ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته بعثاً على أهل المدينة ومن حولهم؛ وفيهم عمر ابن الخطاب، وأمر عليهم أسامة بن زيد.فلم يجاوز آخرهم الخندق، حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،فوقف أسامة بالناس، ثم قال لعمر:ارجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه؛ يأذن لي أن أرجع بالناس؛ فإن معت وجوه الناس وحدهم؛ ولا آمن على خليفة رسول الله وثقل رسول الله وأثقال المسلمين أن ينخطفهم المشركون.وقالت الأنصار:فإن أبي إلا أن نمضى فأبلغه عنا، واطلب إليه أن يولى أمرنا رجلاً أقدم سناً من أسامة.فخرج عمر بأمر أسامة، وأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة، فقال أبو بكر، لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! قال:فإن الأنصار أمروني أن أبلغك، وإنهم يطلبون إليك أن تولى أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة؛ فوثب أبو بكر - وكان جالساً - فأخذ بلحية عمر، فقال له:ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب! استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأمرني أن أنزعه! فخرج عمر إلى الناس فقالوا له:ما صنعت؟ فقال:امضوا، ثكلتكم أمهاتكم! ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله! ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم، فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب، وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015