الأحزاب:59].وقال في هذه الآية الكريمة: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} والخُمُر: جمع خِمار، وهو ما يُخَمر به، أي: يغطى به الرأس، وهي التي تسميها الناس المقانع." (?)
هذه هي صور التبرج في الجاهلية التي عالجها القرآن الكريم. ليطهر المجتمع الإسلامي من آثارها ويبعد عنه عوامل الفتنة، ودواعي الغواية ويرفع آدابه وتصوراته ومشاعره وذوقه كذلك! ونقول: ذوقه .. فالذوق الإنساني الذي يعجب بمفاتن الجسد العاري ذوق بدائي غليظ. وهو من غير شك أخط من الذوق الذي يعجب بجمال الحشمة الهادئ، وما يشي به من جمال الروح، وجمال العفة، وجمال المشاعر.
وهذا المقياس لا يخطئ في معرفة ارتفاع المستوي الإنساني وتقدمه. فالحشمة جميلة جمالا حقيقيا رفيعا.
ولكن هذا الجمال الراقي لا يدركه أصحاب الذوق الجاهلي الغليظ، الذي لا يرى إلا جمال اللحم العاري، ولا يسمع إلا هتاف اللحم الجاهر!
ويشير النص القرآني إلى تبرج الجاهلية، فيوحي بأن هذا التبرج من مخلفات الجاهلية. التي يرتفع عنها من تجاوز عصر الجاهلية، وارتفعت تصوراته ومثله ومشاعره عن تصورات الجاهلية ومثلها ومشاعرها.
والجاهلية ليست فترة معينة من الزمان. إنما هي حالة اجتماعية معينة، ذات تصورات معينة للحياة. ويمكن أن توجد هذه الحالة، وأن يوجد هذا التصور في أي زمان وفي أي مكان، فيكون دليلا على الجاهلية حيث كان! وبهذا المقياس نجد أننا نعيش الآن في فترة جاهلية عمياء، غليظة الحس، حيوانية التصور، هابطة في درك البشرية إلى حضيض مهين. وندرك أنه لا طهارة ولا زكاة ولا بركة في مجتمع يحيا هذه الحياة ولا يأخذ بوسائل التطهر والنظافة التي جعلها اللّه سبيل البشرية إلى التطهر من الرجس، والتخلص من الجاهلية الأولى وأخذ بها، أول من أخذ، أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - على طهارته ووضاءته ونظافته.