وهنا تقترن قضية الشرك بقضية إنكار الآخرة، لأنهما ينبعان من معين واحد وانحراف واحد. ويختلطان في الضمير البشري، وينشئان آثارهما في النفس والحياة والمجتمع والأوضاع. فإذا ضرب مثل للذين لا يؤمنون بالآخرة فهو مثل السوء. السوء المطلق في كل شيء: في الشعور والسلوك، في الاعتقاد والعمل. في التصور والتعامل، في الأرض والسماء .. «وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى» الذي لا يقارن ولا يوازن بينه وبين أحد، بله الذين لا يؤمنون بالآخرة هؤلاء .. «وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ذو المنعة وذو الحكمة الذي يتحكم ليضع كل شيء موضعه، ويحكم ليقر كل شيء في مكانه بالحق والحكمة والصواب.
وإنه لقادر أن يأخذ الناس بظلمهم الذي يقع منهم ولو فعل لدمرها عليهم تدميرا ولكن حكمته اقتضت أن يؤخرهم إلى أجل. وهو العزيز الحكيم: «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ، وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ» ..
واللّه خلق هذا الخلق - البشري - وأنعم عليه بآلائه. وهو وحده الذي يفسد في الأرض ويظلم، وينحرف عن اللّه ويشرك ويطغى بعضه على بعض، ويؤذي سواه من الخلق .. واللّه بعد هذا كله يحلم عليه ويرأف به، ويمهله وإن كان لا يهمله. فهي الحكمة تصاحب القوة، وهي الرحمة تصاحب العدل. ولكن الناس يغترون بالإمهال، فلا تستشعر قلوبهم رحمة اللّه وحكمته، حتى يأخذهم عدله وقوته. عند الأجل المسمى الذي ضربه اللّه لحكمة، وأمهلهم إليه لرحمة. «فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ».
وأعجب ما في الأمر أن المشركين، يجعلون للّه ما يكرهون من البنات وغير البنات، ثم يزعمون كاذبين أن سينالهم الخير والإحسان جزاء على ما يجعلون ويزعمون! والقرآن يقرر ما ينتظرهم وهو غير ما يزعمون: «وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى.لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ».
والتعبير يجعل ألسنتهم ذاتها كأنها الكذب ذاته، أو كأنها صورة له، تحكيه وتصفه بذاتها. كما تقول قوامه يصف الرشاقة وعينه تصف الحور. لأن ذلك القوام بذاته تعبير عن الرشاقة مفصح عنها، ولأن هذه العين بذاتها تعبير عن الحور مفصح عنه. كذلك قال: تصف ألسنتهم