أمر الجاهلية، ويكشف عن الحقيقة الكبرى التي قد يخدع عنها هذا الجانب الظاهر .. إن هؤلاء الشياطين وأولياءهم لفي قبضة اللّه وسلطانه. وهم لا يفعلون ما يفعلونه بقدرة ذاتية فيهم. ولكن بترك الحبل ممدودا لهم قليلا بمشيئة اللّه وقدره، تحقيقا لحكمة اللّه في ابتلاء عباده. ولو شاء ألا يفعلوه ما فعلوه. ولكنه شاء للابتلاء.فلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا على المؤمنين. فليمضوا في طريقهم وليدعوا له الشياطين وما يفترون على اللّه وما يكيدون: «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ. فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ» ..
ولا بد أن نذكر أنهم ما كانوا يجرؤون على أن يقولوا: إن هذه التصورات والتصرفات من عند أنفسهم.
إنما يفترون على اللّه، فيزعمون أنه هو شرعها لهم .. ينسبونها بذلك إلى شريعة إبراهيم وإسماعيل - بزعمهم! كذلك يفعل الشياطين اليوم في الجاهليات الحديثة .. إن معظمهم لا يستطيع أن يتبجح تبجح الشيوعيين الملحدين فينفي وجود اللّه جملة ويتنكر للدين علانية. إنما يلجأ إلى نفس الأسلوب الذي كان يلجأ إليه الشياطين في جاهلية العرب! يقولون: إنهم يحترمون الدين! ويزعمون أن ما يشرعونه للناس له أصل من هذا الدين! ..
إنه أسلوب ألأم وأخبث من أسلوب الشيوعيين الملحدين! إنه يخدر العاطفة الدينية الغامضة التي لا تزال تعيش في قرارات النفوس - وإن لم تكن هي الإسلام، فالإسلام منهج واضح عملي واقع وليس هذه العاطفة المبهمة الغامضة - ويفرغ الطاقة الفطرية الدينية في قوالب جاهلية لا إسلامية. وهذا أخبث الكيد وألأم الأساليب! ثم يجيء «المتحمسون» لهذا الدين فيفرغون جهدهم في استنكار جزئيات هزيلة على هامش الحقيقة الإسلامية، لا تروق لهم في هذه الأوضاع الجاهلية المشركة، المغتصبة لألوهية اللّه وسلطانه بالجملة. وبهذه الغيرة الغبية يسبغون على هذه الأوضاع الجاهلية المشركة طابع الإسلام. ويشهدون لها شهادة ضمنية خطيرة بأنها تقوم على أصل من الدين حقا، ولكنها تخالف عنه في هذه الجزئيات الهزيلة! (?)