- بكل ثقلها وعمقها، تتعاون مع العرف الاجتماعي المنبثق منها، وتنشئ ثقلا ساحقا لا تقف له جماهير الناس. ما لم تعتصم منه بدين واضح وما لم ترجع في أمرها كله إلى ميزان ثابت.

وهذه التصورات المبهمة الغامضة وهذا العرف الاجتماعي الذي ينبثق منها، ويضغط على جمهرة الناس بثقله الساحق .. لا ينحصر في تلك الصور التي عرفتها الجاهليات القديمة. فنحن نشهده اليوم بصورة أوضح في الجاهليات الحديثة .. هذه العادات والتقاليد التي تكلف الناس العنت الشديد في حياتهم، ثم لا يجدون لأنفسهم منها مفرا .. هذه الأزياء والمراسم التي تفرض نفسها على الناس فرضا، وتكلفهم أحيانا ما لا يطيقون من النفقة، وتأكل حياتهم واهتماماتهم، ثم تفسد أخلاقهم وحياتهم. ومع ذلك لا يملكون إلا الخضوع لها .. أزياء الصباح، وأزياء بعد الظهر، وأزياء المساء .. الأزياء القصيرة، والأزياء الضيقة، والأزياء المضحكة! وأنواع الزينة والتجميل والتصفيف ... إلى آخر هذا الاسترقاق المذلّ .. من الذي يصنعه ومن الذي يقف وراءه؟

تقف وراءه بيوت الأزياء. وتقف وراءه شركات الإنتاج! ويقف وراءه المرابون في بيوت المال والبنوك من الذين يعطون أموالهم للصناعات ليأخذوا هم حصيلة كدها! ويقف وراءه اليهود الذين يعملون لتدمير البشرية كلها ليحكموها! .. ولكنهم لا يقفون بالسلاح الظاهر والجند المكشوف، إنما يقفون بالتصورات والقيم التي ينشئونها، ويؤصلونها بنظريات وثقافات «1» ويطلقونها تضغط على الناس في صورة (عرف اجتماعي).

فهم يعلمون أن النظريات وحدها لا تكفي ما لم تتمثل في أنظمة حكم، وأوضاع مجتمع، وفي عرف اجتماعي غامض لا يناقشه الناس، لأنه ملتبس عليهم متشابكة جذوره وفروعه! إنه فعل الشياطين .. شياطين الإنس والجن .. وإنها الجاهلية تختلف أشكالها وصورها، وتتحد جذورها ومنابعها، وتتماثل قوائمها وقواعدها ..

وإننا لنبخس القرآن قدره، إذا نحن قرأناه وفهمناه على أنه حديث عن جاهليات كانت! إنما هو حديث عن شتى الجاهليات في كل أعصار الحياة. ومواجهة للواقع المنحرف دائما ورده إلى صراط اللّه المستقيم .. ومع ضخامة الكيد، وثقل الواقع، فإن السياق القرآني يهوّن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015