في السماء وتقرير ربوبيته - أي حاكميته وسلطانه - وحده في حياة الناس بجملتها. وتنحية ربوبية العباد للعباد، بتنحية حاكمية العباد للعباد، وتشريع العباد للعباد.

وحين يستجيب الناس - أو الجماعة منهم - لهذا القول، فإن المجتمع المسلم يكون قد بدأ أولى خطواته في الوجود. وهذا المجتمع يكون حينئذ هو الوسط الواقعي الحي الذي ينشأ فيه الفقه الإسلامي الحي وينمو، لمواجهة حاجات ذلك المجتمع المستسلم لشريعة اللّه فعلا ..

فأما قبل قيام هذا المجتمع فالعمل في حقل الفقه والأحكام التنظيمية هو مجرد خداع للنفس، باستنبات البذور في الهواء، ولن ينبت الفقه الإسلامي في الفراغ، كما أنه لن تنبت البذور في الهواء! إن العمل في الحقل «الفكري» للفقه الإسلامي عمل مريح! لأنه لا خطر فيه! ولكنه ليس عملا للإسلام ولا هو من منهج هذا الدين ولا من طبيعته! وخير للذين ينشدون الراحة والسلامة أن يشتغلوا بالأدب وبالفن أو بالتجارة! أما الاشتغال بالفقه الآن على ذلك النحو بوصفه عملا للإسلام في هذه الفترة فأحسب - واللّه أعلم - أنه مضيعة للعمر وللأجر أيضا!

إن دين اللّه يأبي أن يكون مجرد مطية ذلول، ومجرد خادم مطيع، لتلبية هذا المجتمع الجاهلي الآبق منه، المتنكر له، الشارد عنه .. الذي يسخر منه الحين بعد الحين باستفتائه في مشكلاته وحاجاته وهو غير خاضع لشريعته وسلطانه ..

إن فقه هذا الدين وأحكامه لا تنشأ في فراغ، ولا تعمل في فراغ .. وإن المجتمع المسلم الخاضع لسلطان اللّه ابتداء هو الذي صنع هذا الفقه وليس الفقه هو الذي صنع ذلك المجتمع .. ولن تنعكس الآية أبدا.

إن خطوات النشأة الإسلامية ومراحلها هي دائما واحدة والانتقال من الجاهلية إلى الإسلام لن يكون يوما ما سهلا ولا يسيرا. ولن يبدأ أبدا من صياغة الأحكام الفقهية في الفراغ، لتكون معدة جاهزة يوم يقوم المجتمع الإسلامي والنظام الإسلامي. ولن يكون وجود هذه الأحكام المفصلة على «الجاهز» والناشئة في الفراغ هي نقطة البدء في التحول من الجاهلية إلى الإسلام. وليس الذي ينقص هذه المجتمعات الجاهلية لكي تتحول إلى الإسلام هو الأحكام الفقهية «الجاهزة»! وليست الصعوبة في ذلك التحول ناشئة عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015