كاملة شاملة في عصر واحد وأن الناس يستعدون لعرفانها عصرا بعد عصر، وطورا بعد طور. وأسلوبا بعد أسلوب، كما يستعدون لعرفان الحقائق الصغرى، بل على نحو أصعب وأعجب من استعدادهم لعرفان هذه الحقائق التي يحيط بها العقل ويتناولها الحس والعيان.
«وقد أسفر علم المقابلة بين الأديان عن كثير من الضلالات والأساطير التي آمن بها الإنسان الأول، ولا تزال لها بقية شائعة بين القبائل البدائية، أو بين أمم الحضارة العريقة. ولم يكن من المنظور أن يسفر هذا العلم عن شيء غير ذلك، ولا أن تكون الديانات الأولى على غير ما كانت عليه من الضلالة والجهالة. فهذه هي وحدها النتيجة المعقولة التي لا يترقب العقل نتيجة غيرها. وليس في هذه النتيجة جديد يستغفر به العلماء، أو يبنون عليه جديدا في الحكم على جوهر الدين. فإن العالم الذي يخطر له أن يبحث في الأديان البدائية ليثبت أن الأولين قد عرفوا الحقيقة الكونية الكاملة منزهة عن شوائب السخف والغباء، إنما يبحث عن محال ... ».
كذلك كتب في فصل: «أطوار العقيدة الإلهية» في الكتاب نفسه:
«يعرف علماء المقابلة بين الأديان ثلاثة أطوار عامة مرت بها الأمم البدائية في اعتقادها بالآلهة والأرباب: وهي دور التعدد ودور التمييز والترجيح ودور الوحدانية «ففي دور التعدد كانت القبائل الأولى تتخذ لها أربابا تعد بالعشرات، وقد تتجاوز العشرات إلى المئات.
ويوشك في هذا الدور أن يكون لكل أسرة كبيرة رب تعبده، أو تعويذة تنوب عن الرب في الحضور، وتقبل الصلوات والقرابين.
«وفي الدور الثاني وهو دور التمييز والترجيح تبقي الأرباب على كثرتها، ويأخذ رب منها في البروز والرجحان على سائرها. إما لأنه رب القبيلة الكبرى التي تدين لها القبائل الأخرى بالزعامة، وتعتمد عليها في شؤون الدفاع والمعاش، وإما لأنه يحقق لعباده جميعا مطلبا أعظم وألزم من سائر المطالب التي تحققها الأرباب المختلفة، كأن يكون رب المطر والإقليم في حاجة إليه، أو رب الزوابع والرياح وهي موضع رجاء أو خشية يعلو على موضع الرجاء والخشية عند الأرباب القائمة على تسيير غيرها من العناصر الطبيعية.