وجدت، لأنها ليست نابعة من أفكار البشر ومعلوماتهم المترقية إنما هي آتية لهم من عند اللّه سبحانه. فهي حق منذ اللحظة الأولى، وهي كاملة منذ اللحظة الأولى ..
هذا ما يقرره القرآن الكريم ويقوم عليه التصور الإسلامي. فلا مجال - إذن - لباحث مسلم - وبخاصة إذا كان يدافع عن الإسلام! - أن يعدل عن هذا الذي يقرره القرآن الكريم في وضوح حاسم، إلى شيء مما تخبط فيه نظريات علم الأديان المقارنة. تلك النظريات النابعة من منهج موجه كما أسلفنا!
ومع أننا هنا - في ظلال القرآن - لا نناقش الأخطاء والمزالق في الكتابات التي تكتب عن الإسلام - إذ أن مجال هذه المناقشة بحث آخر مستقل - .. ولكننا نلم بنموذج واحد، نعرضه في مواجهة المنهج القرآني والتقريرات القرآنية في هذه القضية ..
كتب الأستاذ العقاد في كتابه: «اللّه» في فصل أصل العقيدة: .. «ترقى الإنسان في العقائد. كما ترقى في العلوم والصناعات.
«فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته. فليست أوائل العلم والصناعة بأرقى من أوائل الديانات والعبادات، وليست عناصر الحقيقة في واحدة منها بأوفر من عناصر الحقيقة في الأخرى.
«وينبغي أن تكون محاولات الإنسان في سبيل الدين أشق وأطول من محاولاته في سبيل العلوم والصناعات.
«لأن حقيقة الكون الكبرى أشق مطلبا وأطول طريقا من حقيقة هذه الأشياء المتفرقة التي يعالجها العلم تارة والصناعة تارة أخرى.
«وقد جهل الناس شأن الشمس الساطعة، وهي أظهر ما تراه العيون وتحسه الأبدان، ولبثوا إلى زمن قريب يقولون بدورانها حول الأرض، ويفسرون حركاتها وعوارضها كما تفسر الألغاز والأحلام. ولم يخطر لأحد أن ينكر وجود الشمس لأن العقول كانت في ظلام من أمرها فوق ظلام. ولعلها لا تزال.
«فالرجوع إلى أصول الأديان في عصور الجاهلية الأولى لا يدل على بطلان التدين، ولا على أنها تبحث عن محال. وكل ما يدل عليه أن الحقيقة الكبرى أكبر من أن تتجلى للناس