موصولتان في الزمان والمكان! حين كان القرآن يصنع ذلك كله .. كان يبدأ فيقيم للجماعة المسلمة تصورها الصحيح، ببيان شرط الإيمان وحدّ الإسلام ويربط بهذا التصور - في هذه النقطة بالذات - نظامها الأساسي، الذي يميز وجودها من وجود الجاهلية حولها ويفردها بخصائص الأمة التي أخرجت للناس، لتبين للناس، وتقودهم إلى اللّه ..
نظامها الرباني .. وهذا الدرس يتولى بيان هذا النظام الأساسي، قائما ومنبثقا من التصور الإسلامي لشرط الإيمان وحدّ الإسلام! إنه يتولى تحديد الجهة التي تتلقى منها الأمة المسلمة منهج حياتها والطريقة التي تتلقى بها والمنهج الذي تفهم به ما تتلقى، وترد إليه ما يجدّ من مشكلات وأقضية لم يرد فيها نص وتختلف الأفهام فيها والسلطة التي تطيعها وعلة طاعتها ومصدر سلطانها .. ويقول: إن هذا هو شرط الإيمان وحدّه الإسلام ..
وعندئذ يلتقي «النظام الأساسي» لهذه الأمة بالعقيدة التي تؤمن بها .. في وحدة لا تتجزأ ولا تفترق عناصرها ..
وهذا هو الموضوع الخطير الذي يجلوه هذا الدرس جلاء دقيقا كاملا .. وهذه هي القضية التي تبدو، بعد مطالعة هذا الدرس، بديهية يعجب الإنسان كيف يجادل «مسلم» فيها! إنه يقول للأمة المسلمة: إن الرسل أرسلت لتطاع - بإذن اللّه - لا لمجرد الإبلاغ والإقناع: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ» ..
ويقول لها: إن الناس لا يؤمنون - ابتداء - إلا أن يتحاكموا إلى منهج اللّه ممثلا - في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحكام الرسول. وباقيا بعده في مصدريه القرآن والسنة بالبداهة ولا يكفي أن يتحاكموا إليه - ليحسبوا مؤمنين - بل لا بد من أن يتلقوا حكمه مسلمين راضين: «فَلا وَرَبِّكَ .. لا يُؤْمِنُونَ .. حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» .. فهذا هو شرط الإيمان وحد الإسلام.
ويقول لها: إن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - أي إلى غير شريعة اللّه - لا يقبل منهم زعمهم أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول وما أنزل من قبله. فهو زعم كاذب. يكذبه أنّهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ