و «تخرج» فيها حياة من خلال الكلمات! ولكن لا عجب .. فهذه الكلمات .. كلمات اللّه ..
ومن أراد المجادلة والمماحلة، فليقل لنا أين كانت هذه الأمة قبل أن «يخرجها» اللّه بكلماته وقبل أن ينشئها اللّه بقرآنه؟
إننا نعرف أنها كانت في الجزيرة العربية! ولكن أين كانت في الوجود «الإنساني»؟ أين كانت في سجل الحضارة البشرية؟ أين كانت في التاريخ العالمي؟ أين كانت تجلس على المائدة العالمية الإنسانية؟ وماذا كانت تقدم على هذه المائدة، فيعرف باسمها ويحمل طابعها؟
لقد «نشأت» هذه الأمة نشأتها بهذا الدين ونشئت تنشئتها بهذا المنهج القويم وقادت نفسها وقادت البشرية بعد ذلك بكتاب اللّه الذي في يدها، وبمنهجه الذي طبع حياتها .. لا بشيء آخر .. وأمامنا التاريخ! وقد صدقها اللّه وعده وهو يقول للعرب: «لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ .. أَفَلا تَعْقِلُونَ»؟
فبسبب من هذا الكتاب ذكرت هذه الأمة في الأرض وكان لها دورها في التاريخ وكان لها «وجود إنساني» ابتداء، وحضارة عالمية ثانيا .. ذلك بينما يريد جماعة من الحمقى أن يرفضوا نعمة اللّه هذه على الأمة العربية ويجحدوا فضل اللّه في أن جعل كلمته الأخيرة لأهل الأرض قاطبة في العرب وبلسانهم .. ومن ثم جعل لهم وجودا وذكرا وتاريخا وحضارة - يريدون أن يخلعوا هذا الرداء الذي ألبسهم اللّه إياه وأن يمزقوا هذه الراية التي قادتهم إلى الذكر والمجد .. بل إلى الوجود يوم أخرج اللّه منهم الأمة المسلمة! نقول .. إن القرآن حين كان «ينشى ء» هذه الأمة و «ينشئها» .. ويخطط ويثبت ملامح الإسلام الجديدة، في الجماعة المسلمة - التي التقطها من سفح الجاهلية - ويطمس ويمحو ملامح الجاهلية في حياتها ونفوسها ورواسبها .. وينظم مجتمعها - أو يقيمه ابتداء - على أساس الميلاد الجديد ..
وحين كان يخوض بالجماعة المسلمة المعركة في مواجهة الجاهلية الراسبة في نفوسها وأوضاعها من مخلفات البيئة التي التقطها المنهج الرباني منها وفي مواجهة الجاهلية الرابضة فيها ومن حولها - ممثلة في يهود المدينة ومنافقيها ومشركي مكة وما حولها - والمعركتان